تفاضلهم ، والردّ عليهم بأن لا يقتلوا اثنين بواحد ، ولا حرّ غيرهم بعبدهم من دون العكس ، وهذا المقدار يكفي لإخراج المفهوم عن الحجّية على تقديرها لأنّه ما صار التخصيص لغوا لو لم يكن فائدته نفي الحكم عن غير المذكور.
وبعد هذا كلّه فلا يبعد أن نقول المفهوم يدلّ على ذلك ، وهو معتبر هنا في الجملة لكن يفهم جواز قتل العبد بالحرّ بالطريق الأولى ، وكذا قتل الأنثى بالرجل ولما لم يكن على العبد سوى نفسه شيء فلا يؤخذ من مولاه شيء آخر غير نفس العبد بخلاف المرأة فإنّها تقتل بالرجل ، ويمكن أن تؤخذ نصف الدية أيضا لأنّها نصف الرجل ويمكن عدم إثبات شيء سوى نفسها ، وأمّا نفي قتل الحرّ بالعبد فنقول أنّه مفهوم من الآية ، ونقول به ، وأمّا قتل الرجل بالمرأة فيقول به الأصحاب من دليل آخر وهو الأخبار بل إجماعهم فيخصّص به مفهوم الآية ، وبالجملة المفهوم حجّة ولكن يترك بأقوى منه وقد بيّناه.
والحاصل أنّ العمدة في تفاصيل الأحكام الأخبار والإجماع ، ومن هذا علم أنّها ليست بمنسوخة ، وإن قلنا بمفهومها بقوله تعالى (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) كما قاله في الكشاف حيث قال : وعن سعيد بن المسيّب والشعبيّ والنخعيّ وقتادة والثوريّ وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه أنّها منسوخة بقوله (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) فالقصاص ثابت بين العبد والحرّ ، وبين الذكر والأنثى إلخ فإنّه لا يصحّ أمّا أوّلا فلأنّ النفس بالنفس حكاية ما كان واجبا ومكتوبا في التوراة وليس بمعلوم ثبوت ذلك في المسلمين ، وأمّا ثانيا فلأنّه لا عموم له بحيث ينسخ به شيء خاصّ ، وأمّا ثالثا فلأنّ المفهوم على تقدير حجّيّته دليل ضعيف فلا ينسخ به المنطوق إذ لا صلاحيّة له للتعارض فهو ترك مفهوم بمنطوق إلّا أن يثبت العمل بالمفهوم ثمّ ترك النفس بالنفس ، وأمّا رابعا فلأنّه يمكن التخصيص وهو أولى من النسخ ، وأمّا خامسا فلأنّه لا شكّ في بقاء بعض الأحكام في الآية فلا يصحّ الحكم بأنّها منسوخة إلّا أن يريد نسخ المفهوم (١).
__________________
(١) العموم خ ل.