وانما لم يقسم الأرضين والدور ، لأنها لجميع المسلمين قاطبة ومنّ النبي على رجال من المشركين فأطلقهم ، وعندنا أن للإمام عليه السلام أن يفعل ذلك ، وكذلك أموالهم منّ عليهم بها.
وقال العلامة ـ رحمه الله ـ في (التذكرة) : وأما أرض مكة فالظاهر من المذهب أن النبي (ص) فتحها بالسيف ثم آمنهم بعد ذلك. وكذا قال في (المنتهى) ، ونحوه قال في (التحرير). وشيخنا في (الدروس) لم يصرح بشيء.
واحتج العلامة على ذلك : بما رواه الجمهور عن النبي (ص) : أنه قال لأهل مكة ما تروني صانعا بكم؟ فقالوا : أخ كريم وابن أخ كريم فقال : أقول لكم كما قال أخي يوسف لإخوته (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ) أنتم الطلقاء.
ومن طرق الخاصة : بما رواه الشيخ عن صفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال : «ذكرنا له الكوفة ـ إلى أن قال ـ : إن أهل الطائف أسلموا وجعل عليهم العشر ونصف العشر ، وإن مكة دخلها رسول الله (ص) عنوة ، وكانوا أسراء بيده فأعتقهم وقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء» (١).
وأجاب عن حجة القائلين بأنها فتحت صلحا ـ حيث أن النبي (ص) ـ دخلها بأمان ـ بما ورد في قصة العباس وأبي سفيان ، وقوله (ص) لأهل مكة : (من ألقى سلاحه فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن تعلق بأستار الكعبة فهو آمن ، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن) إلا جماعة معينين وأنه (ص) لم يقسم أموالهم ولا أراضيهم : بأنه ـ على تقدير تسليم ذلك ـ إنما لم يقسم الأرضين والدور ، لأنها لجميع المسلمين لا يختص بها الغانمون ، على ما تقرر : من أن الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين ـ قاطبة ـ والأموال والأنفس يجوز أن يمن عليهم بها ، مراعاة للمصلحة ، لأن للإمام
__________________
(١) ذكره الشيخ في التهذيب ، كتاب الخمس باب الخراج عمارة الأرضين.