أجزاء الأرض لعمل اللبن والأواني وسائر الآلات المحتاج لها والمضطر إليها عموم الناس ـ تعد من منافعها ، وان كانت عند الاتصال بها وقبل الانفصال عنها تعد من عين الرقبة ، فعموم الانتفاع بالأجزاء المنفصلة موجب لصدق المنفعة عليها وإن كانت هي من الأعيان الخارجية ، وهذه المنفعة مبذولة للمسلمين ـ كافة ـ من غير تخصيص من هذه الحيثية ببعض دون بعض ، وان كان المأخوذ يختص به الأخذ ، والعبرة بعموم البذل في صدق كونها مصروفة في المصالح العامة ، فهو بحكم المباح ، وان كان ملكا للجميع ، لعموم البذل ، فيختص به من سبق اليه ، لعموم قوله (ص) «من سبق الى ما لم يسبق إليه أحد ..» (١).
وإن أبيت إلا لزوم تحقق الاذن مع ذلك ـ أيضا ـ فهو متحقق بالسيرة القطعية الكاشفة عن ذلك.
هذا بالنسبة إلى ما يعمل من الأرض كاللبن والأواني. وأما المستخرجة منها من تلك العمارات القديمة مما هو مدفون في الأرض بعد هدمها ، فقد يقال : إنها تعد من أجزاء الأرض كالمختلفة في ممر المياه من الطين والرمل من غير فرق بين أساس العمارة في الأرض ومهدومها ، فيكون ـ حينئذ ـ حكمه حكم ما مر من الأجزاء المنفصلة. نعم ، الآثار القائمة على الأرض مما لا يعد جزء منها كطاق كسرى ونحوه ، يشكل تملكها بالقلع إلا بإذن السلطان أو الحاكم ، ولا حرج في الالتزام بذلك ـ بخصوصه ـ ولم تقم سيرة عليه كذلك.
الأمر التاسع ـ : يتفرع على ما ذكرنا ـ مما هو المجمع عليه : من كون المفتوحة عنوة للمسلمين ـ قاطبة ـ : أنه لا يجوز التصرف فيها
__________________
(١) راجع الجامع الصغير للسيوطي في مادة (من) وفيه : الى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو له.