أمّا الاوصاف في الشيء الراجعة الى قياس حاجات الإنسان كالثوب السميك الذي يُستعار في الشتاء ويُرجع في الصيف ، والدواء الذي يُستعار مثلاً في حالة كثرة الأمراض وقلة الدواء ويُرجع في حالة شيوع السلامة أو كثرة الدواء ، والخبز الذي يقترض ـ مثلاً ـ أو يستعار في حالة جوع المالك ويُرجِع إليه حالة شبعه ، كل هذه الاوصاف لا تعتبر تغييراً في الوصف الذاتي للسلعة ، فلا يقال عن هذا أنَّه تصرّفٌ في السلعة وتقليل من المنفعة الاستعمالية.
وكذا الاوصاف الراجعة الى مقايسة الشيء مع باقي السلع في الرخص أو الغلاء ، كالقيمة أو القوة الشرائية للنقد ، فهي ليست أوصافاً ذاتية للنقد ، فلو نقصت القوة الشرائية للنقد المقترض أو المأخوذ بإذن حين ارجاعه فلا يُعتبر هذا تغييراً في النقد الورقي وتصرفاً فيه يتبعه تقليل المنفعة الاستعمالية عرفاً.
وقد يقال : إنّ إرجاع المثل والصفات الذاتية للنقد مع قلّة المنفعة الاستعمالية ( قلّة القوة الشرائية ) بالقياس الى حاجات الإنسان يوجب ضماناً عند الفقهاء ، وذلك في مثل مَنْ غصب ثلجاً في شدّة الحرّ ثم أرجع نفس المقدار الى مالكه في الشتاء الشديد البرد ، فقد يقال : إنّ المنفعة الاستعمالية التي انتفت ببرد الهواء توجب ضماناً وإن لم تكن من أوصاف المثل ، فيجب على الغاصب الفرق بين ثلج الشتاء وثلج الصيف.
والجواب : أنّ الضمان الذي أوجبه الفقهاء هنا ليس ناشئاً من انتفاء المنفعة الاستعمالية بواسطة برد الهواء ، والدليل على ذلك هو عدم الحكم بالضمان في صورة ما إذا اقترضتُ ثلجاً في الصيف أو استعرته على أن اُرجعه في الشتاء ، وارجعته في شدة البرد ، مع أنَّ القيمة الاستعمالية قد انتفت في المثالين ، فلابدّ لنا من الفحص عن سبب الضمان في مثال الغصب فنقول :
١ ـ إنّ الغاصب قد أرجع المثل حقيقة فلا وجه لتضمينه من هذه الناحية.
٢ ـ لقد تضرر المالك بتفويت المنفعة الاستعمالية ، ولكن تفويتها لا يوجب ضماناً كما تقدّم في مثال القرض والاستعارة.