كاد يكون من ضروريات المذهب في زماننا ، مضافاً إلى النصوص المستفيضة التي إن لم تكن متواترة بالمعنى المصطلح فمضمونها مقطوع به ... » (١).
نعم ، هناك روايات وردت عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام تجوّز أكل ذبائحهم ، إلاّ أنّ هذه الروايات المجوّزة مطلقاً أو المفصّلة قد بلغت من الاختلاف الشديد ( حتى عدّ صاحب الجواهر اثني عشر وجهاً من هذه الروايات ) ما يوجب القطع بأنّها لم تصدر لبيان الحكم الواقعي (٢).
أقول : إنّ الأدلّة الدالة على إسلام الذابح ، والروايات القائلة بعدم أكل ذبائح أهل الكتاب والناهية عن ذبحهم إن كانت مرشدةً إلى ميتة المذبوح فهي تعارض الروايات المجوّزة لأكل ذبائح أهل الكتاب ، وحينئذ نأخذ بروايات التحريم ، للترجيح. ومع تحكّم المعارضة فإنّ الشك في حلية الذبيحة يؤدي إلى جريان أصل عدم التذكية الشرعية ، خصوصاً إذا علمنا أنّ التذكية حكم شرعي يحتاج إلى التوقيف (٣).
أمّا علماء أهل السنة فقد اتّفقوا على حلّيّة ذبيحة الكتابي ، مستندين إلى قوله تعالى : ( وطعام الذين اُوتوا الكتاب حِلٌّ لكم ) حيث فُسِّر الطعام بالذبائح ، لما رواه البخاري عن ابن عباس ومجاهد وقتادة من أنّ طعامهم يعني ذبائحهم.
وقد اختلفوا في ذبائح العرب من أهل الكتاب ، وذبائح نصارى بني تغلب ، ومن كان أحد أبويه غير كتابي ممّا لا يحلّ ذبيحته. وقد استدلّوا لحلّيّة ذبائحهم أيضاً بعموم الآية القرآنية (٤). كما قد اختلفوا فيما يذبحه الكتابي لكنيسته وأعياده ،
__________________
(١) جواهر الكلام : ج ٣٦ ، ص ٧٩ ـ ٨٠.
(٢) راجع جواهر الكلام : ج ٣٦ ، ص ٨١ ـ ٨٥.
(٣) التذكية أمر وجودي سواء كان عبارة عن الأفعال المخصوصة التي اشترطها الشارع أو شيئاً بسيطاً حاصلاً منهما.
(٤) راجع الشرح الكبير : ج ١١ ، ص ٤٦ ـ ٤٧ ، المغني : ج ١١ ، ص ٣٥.