محض لأداء حق المجنيّ عليه ، وليس فيه أي عقوبة ، لأنّ المفروض أنَّ الجناية خطئيّة محضة ، ومن هنا نفهم أنَّ هذا الحقّ هو حقّ مالي محض للوارث لا عقوبة فيه على القاتل ، وحينئذ يتمكّن أي إنسان أن يتبرّع به بدلا عن العاقلة ، وذلك للارتكاز العقلائي القائل : إنّ التكاليف المالية المحضة يجوز قيام الغير بها عوضاً عن المكلف بها ، بخلاف التكاليف المالية التي فيها نوع عقوبة كالفدية والكفارة ، فإنّها لا تصح من المتبرع لأنّها تُعتبر نوع عقوبة على المباشر ، فلابدّ من صدورها منه لتتحقّق العقوبة.
إذا عرفنا هذا فنقول : إنّ دليل اطلاق وجوب الدية على العاقلة لا يشمل شركة التأمين أو نقابة الأطباء ؛ للمباينة بين العاقلة وبينهما.
ولكن نقول : تتمكّن الشركة أو النقابة أن تقوم بدور العاقلة بعدّة طرق :
١ ـ أن تدفع عوضاً عن العاقلة وتقوم مقامها تبرّعاً ما دام هذا التكليف المتوجّه إلى العاقلة هو تكليف مالي محض ، وهو حقّ للورثة ، وهذه التكاليف المالية يصح فيها قيام الغير بها تبرعاً.
٢ ـ وإذا صح هذا العمل من النقابة أو الشركة فيمكن أن يكون هناك عقد بين الجاني خطأً وبين أحدهما مفاده : « تعهد النقابة أو الشركة بدفع الدية كاملة لورثة المقتول خطأ في هذه السنة ـ مثلاً ـ مقابل دفع الطبيب مبلغاً شهرياًالشركة أو النقابة » وهذا عقد يشمله ( أوفوا بالعقود ) فيجب الالتزام به.
٣ ـ وكذا يمكن أن يكون هناك شرط في ضمن عقد لازم مفاده : تعهد النقابة أو الشركة بدفع الدية كاملة لورثة المقتول خطأً في هذه السنة ، وذلك للقاعدة القائلة بوجوب التزام المسلمين بشروطهم.
٤ ـ ومن نافلة القول بإمكان أن تدفع الشركة أو النقابة الدية إلى القاتل خطأ أو إلى العاقلة تبرّعاً ، فتدفعها هي من قبل نفسها ، ولكنّ كلامنا ليس في هذا لجواز