على جواز الإحرام من كلّ مكان خارج الحرم ـ ، فيلزمنا أن نفسّر حدود الحرم الواردة في الموثّق بما يكون بين هذه المواقيت ، بحيث تدخل المزدلفة فيه ، وبهذا فسوف يكون الحرم مختلفة أبعاده بالنسبة الى مكة ، فمن ناحية التنعيم ( الشمال الغربي ) يكون الحرم قبل مسجد التنعيم الحالي ، كما هي علامات الحرم بالنصب الموجودة حاليّاً ، وهي لا تبعد إلاّ ستة كيلومترات. وأما من ناحية الجنوب فقد ذكروا : أنّ إضاءة لبين ( لبن ) هي حدود الحرم من الناحية الجنوبية ، وهي لا تبعد أكثر من ( ١٨ كم ) وبهذا فسوف يكون البريد ما بين علمي التنعيم وعلمي إضاءة لبين ( لبن ) متحققاً.
أمّا الجعرانة ( التي هي ميقات للإحرام من ناحية الشمال الشرقي ) ، وعرنة ( وهي حدود الحرم من الناحية الشرقية ) ، والحديبية ( وهي ميقات من ناحية الغرب ) فهي خارجة عن الحرم وهي تبعد ما بين ( ٢٠ ـ ٢٣ كم ).
وحينئذ لا يمكن تطبيق البريد في البريد ما بين هذه الأماكن الثلاثة ، ولكن لنا أن نقول : إنّ الفقهاء قد ذكروا استحباب الإحرام من الجعرانة والحديبية ، وجوّزوا الإحرام من أدنى الحلّ ، فإذا عرفنا أدنى الحلّ بصورة قطعية ـ كما فيما بعد المزدلفة ـ جاز لنا الإحرام منه ، وإذا شككنا في حدود الحرم من جهة من الجهات فالاحتياط يقتضي أن نحرم من منطقة تبعد عن الحرم كما في الجعرانة والحديبية وأمثالهما.
وبهذا فسوف تكون حدود الحرم ـ التي هي بريد في بريد ـ ليست على نسق واحد في جميع الأطراف ، كما توجد إشارة الى ذلك في بعض الأخبار.
وعلى كلّ حال فإنَّ تحديد الحرم بكونه بريداً في بريد غير مثير للإشكال في موضع التنعيم الحالي ، فإنَّ ما ذكر من كونه ميقاتاً بفعل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ كالحديبية والجعرانة ـ إنّما هو على نحو الاستحباب ؛ للتأسّي بفعل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولما فيه من البعد عن مكة ، وليست هي أقرب الأماكن إلى الحرم ، وحينئذ ما قطعنا من كونه من الحرم نطبّق عليه أحكام الحرم ، وما لم نقطع فيه أنّه من الحرم لا نطبق عليه أحكام الحرم ، ولكن يلزمنا ـ أيضاً ـ الإحرام من المكان الذي نقطع فيه بأنه خارج عن حدود الحرم ، والله سبحانه هو الموفّق.