شرف عظيم ومال كثير تبحث عن رجل أمين تستأجره في مالها أو تضاربها إيّاه بشيء تجعله له منه فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه واله ، بعدما امتنع صلى الله عليه واله من أن يتقدّم هو بطلب العمل معها بسبب إبائه وعلو طبعه ، وحينما حضر عندها النبي صلى الله عليه واله قالت له : إنّي دعاني إلى البعثة إليك ما بلغني من صدق حديثك وعظم أمانتك وكرم أخلاقك وأنا أعطيك ضعف ما أُعطي رجلاً من قومك .. فوافق النبي صلى الله عليه واله على هذا العرض وانطلق بالقافلة متوجّهاً إلى الشام للتجارة وقد رافقه غلامين لخديجة أحدهما ميسرة فوصلوا إلى الشام وباعوا ما عندهم وربحوا ربحاً كثيراً ثمّ عادوا إلى مكّة وقد اشترى النبي صلى الله عليه واله من سوق «تهامة» متاعاً أتى به إلى مكّة أيضاً (١).
٣ ـ رسالة الإسلام في الشام :
لقد طرح النبي الأكرم صلى الله عليه واله نفسه منذ اليوم الأوّل لبعثته على أنّه رسول للعالمين كما أشار القرآن الكريم لذلك إذ جاء فيه : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) (٢) وقد عمل بجهده لاقتناص الفرص بل لصناعة الفرص ليعرّف الناس رسالته ونبوّته وأنّه مبعوث للعالم كلّه إلّا أنّ أعداء الإسلام كانوا دائماً في طريق انطلاقته وإعاقته ، ولكن وبعد أن دخل النبي صلى الله عليه واله في معاهدة الصلح التي جرت في الحديبية مع المشركين اطمأنّ من جانبهم قليلاً وأخذ يفكّر في الاتّصال بكبار ملوك الأرض ويعرّفهم نفسه ويلقي عليهم الحجّة وعلى أُممهم عبر الرسائل التي يدعوهم فيها إلى الإسلام ، وبذلك يكون قد خرج من الدائرة الصغيرة التي كان يتحرّك فيها إلى مساحة عالمية كبيرة فانتخب صلى الله عليه واله ستّة أشخاص من أبرز ما يكونوا ودفع لكلّ واحد منهم رسالة دوّن فيها نبوّته التي ألزم الله سبحانه بها العباد ، ودعاهم إلى دين الله الجديد فانطلق أُلئك الأبطال لكلٍ وجهة هو
__________________
(١) فروغ ابديت للسبحاني ج ١ ص ١٥٦ ومعناه «شمس الأبدية أو الشعاع والنور الأبدي» وانظر البحار ج ١٦ ص ٢٢.
(٢) سورة الأعراف : ١٥٨.