فإن كان ظرفا أو جارا ومجرورا فقدمته فقلت : «ما فى الدار زيد» ، و «ما عندك عمرو» فاختلف الناس فى «ما» حينئذ : هل هى عاملة أم لا؟ فمن جعلها عاملة قال : إن الظرف والجار والمجرور فى موضع نصب بها ، ومن لم يجعلها عاملة قال : إنهما فى موضع رفع على أنهما خبران للمبتدأ الذى بعدهما ، وهذا الثانى هو ظاهر كلام المصنف ؛ فإنه شرط فى إعمالها أن يكون المبتدأ والخبر بعد «ما» على الترتيب الذى زكن ، وهذا هو المراد بقوله : «وترتيب زكن» أى : علم ، ويعنى به أن يكون المبتدأ مقدّما والخبر مؤخرا ، ومقتضاه أنه متى تقدّم الخبر لا تعمل «ما» شيئا ، سواء كان الخبر ظرفا أو جارا ومجرورا ، أو غير ذلك ، وقد صرّح بهذا فى غير هذا الكتاب.
الشرط الرابع : ألّا يتقدم معمول الخبر على الاسم وهو غير ظرف ولا جار ومجرور ؛ فإن تقدم بطل عملها ، نحو : «ما طعامك زيد آكل» فلا يجوز نصب «آكل» ومن أجاز بقاء العمل مع تقدم الخبر يجيز بقاء العمل مع تقدم المعمول بطريق الأولى ؛ لتأخر الخبر ، وقد يقال : لا يلزم ذلك ؛ لما فى
__________________
والسر فى ذلك الخطأ أنه تميمى ، وأراد أن يتكلم بلغة أهل الحجاز ، فلم يعرف أنهم لا يعملون «ما» إذا تقدم الخبر على الاسم ، ولعله وجد خبر ليس قد جاء متقدما على اسمها ، فتوهم أن ما ـ لكونها بمعنى لبس ـ تعطى حكمها ، ولم يلتفت إلى أن «ما» فرع عن ليس فى العمل ، وأن الفرع ليس فى قوة الأصل.
والثالث : سلمنا أن الرواية كما يذكرون ، وأن الشاعر لم يخطىء. ولكنا لا نسلم أن «مثل» منصوب ، بل هو مبنى على الفتح فى محل رفع خبر مقدم ، وبشر : مبتدأ مؤخر ، وإنما بنيت «مثل» لأنها اكتسبت البناء من المضاف إليه ، وجاز ذلك البناء ولم يجب ، ولهذا شواهد كثيرة منها قوله تعالى : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) فمثل فى هذه الآية الكريمة صفة لحق مع أن حقا مرفوع ومثل مفتوح ؛ فوجب أن يكون مبنيا على الفتح فى محل رفع.