التقدير : وإن مالك لكانت ، فحذفت اللام ؛ لأنها لا تلتبس بالنافية ؛ لأن المعنى على الإثبات ، وهذا هو المراد بقوله : «وربما استغنى عنها إن بدا ـ إلى آخر البيت».
واختلف النحويون فى هذه اللام : هل هى لام الابتداء أدخلت للفرق بين «إن» النافية و «إن» المخففة من الثقيلة ، أم هى لام أخرى اجتلبت للفرق؟ وكلام سيبويه يدلّ على أنها لام الابتداء دخلت للفرق.
وتظهر فائدة هذا الخلاف فى مسألة جرت بين ابن أبى العافية وابن الأخضر ؛ وهى قوله صلّى الله عليه وسلّم : «قد علمنا إن كنت لمؤمنا» فمن جعلها لام الابتداء أوجب كسر «إن» ومن جعلها لاما أخرى ـ اجتلبت للفرق ـ فتح أن ، وجرى الخلاف فى هذه المسألة قبلهما بين أبى الحسن علىّ بن سليمان البغدادى الأخفش الصغير ، وبين أبى علىّ الفارسى ؛ فقال الفارسى : هى لام غير
__________________
الشاهد فيه : قوله «وإن مالك كانت ـ إلخ» حيث ترك لام الابتداء التى تجتلب فى خبر «إن» المكسورة الهمزة المخففة من الثقيلة عند إهمالها ، فرقانا بينها وبين «إن» النافية ، وإنما تركها هنا اعتمادا على انسياق المعنى المقصود إلى ذهن السامع ، وثقة منه بأنه لا يمكن توجيهه إلى الجحد ، بقرينة أن الكلام تمدح وافتخار ، وصدر البيت واضح فى هذا ، والنفى يدل على الذم ؛ فلو حمل عجز البيت عليه لتناقض الكلام واضطرب ، ألا ترى أنك لو حملت الكلام على أن «إن» نافية لكان معنى عجز البيت : وليست مالك كرام المعادن ، أى فهى قبلة دنيئة الأصول ؛ فيكون هذا ذما ومتناقضا مع ما هو بصدده ، فلما كان المقام مانعا من جواز إرادة النفى ارتكن الشاعر عليه ، فلم يأت باللام ، فالقرينة ههنا معنوية.
ومثل هذا البيت ـ فى اعتماد الشاعر على القرينة المعنوية ـ قول الشاعر :
إن كنت قاضى نحسبى يوم بينكم |
|
لو لم تمنّوا بوعد غير مكذوب |
ألا ترى أنه فى مكان إظهار الألم وشكوى ما نزل به من فراق أحبابه؟ فلو حملت «إن» فى صدر البيت على النفى فسد المعنى على هذا ، ولم يستقم الكلام.