وبهذا يندفع ما قد يستشكل في صحّة عقد النكاح مع تكرارها بالصيغ المختلفة ، بتقريب أنّه غير جازم في صحّة العقد بكلّ منهما ، فلم يتحقق إنشاء صحيح ، فيبطل الكل.
ووجه الدفع : أنّ التردد إنما هو في الوقوع بهذه الصيغة وهذه ، لا في الإيقاع.
فنقول : إنّ النيّة إذا كانت من قبيل الإنشاء ، فالذي يُنافيه إنّما هو التردّد في الإيقاع والقصد ، لا بالتردّد في الوقوع ، بل ولا ينافي الترديد ، مثل أن يعطي فقيراً شيئاً مردّداً بين الزكاة والصدقة لمن احتمل اشتغال ذمّته بزكاة واجبة. وكذلك من يردّد بين القضاء والأداء في صلاة الصبح إذا ضاق وقتها وخاف فوت الوقت بسبب الاستعلام ، فهو جازم بالإنشاء والإثبات مع الترديد.
والحاصل : أنّ التردّد في الوقوع واللاوقوع إن كان مضرّاً في النية للزم عدم صحّة صلاة أحد ؛ لاحتمال طروء المبطل في الأثناء غالباً.
ولا حاجة إلى تأويل نيّة الصلاة بإرادة الشروع فيها ؛ بتقريب أنّ الشروع فيها واجب ، والاستمرار عليها واجب آخر ، والإتيان بمجموعها واجب آخر ؛ إذ يكفي الجزم بإيقاع الجميع في أوّل العبادة ، نظراً إلى الظاهر من ظنّ البقاء.
فنقول : فيما نحن فيه إذا كان في الليل جازماً بالسفر ، فهو وإن كان ينافي الجزم بالصوم ؛ لكنه إنما ينافي الجزم بالصوم البات المقطوع ، ولا ينافي الجزم بالصوم المشروط ، فكما أنّه لا ينافي طروء المانع من السفر بسبب مرض أو مانع آخر وإن كان حصول البداء لنفسه للجزم فكذلك لا ينافي الجزم بالصوم إذا حصل المانع من السفر لجزم السفر ، فهناك يصحّ أن ينوي الصوم غداً جزماً إن حصل المانع عن السفر المجزوم به ، كما يصحّ ثمّة أن ينوي السفر غداً جزماً إن لم يحصل مانع.
فإذا صحّ هذا القصد ، فنقول : إنّ مقتضى الأصل والعمومات وجوب الصوم على من شهد الشهر ، وهو مندرج فيه ، والذي ينافيه الجزم إنّما هو فعليّة السفر ، وخروجه إلى السفر ، لا مجرد قصده ، فيجب عليه الصوم وإتمامه.