إذا تحقّق لك ما قلنا ، ظهر لك أنّ إيراد صاحب المدارك (١) على إطلاقه غير صحيح ، فإنّه لم ينزّل كلام المحقّق على ما رامه (٢).
فالأحسن التفصيل وتسليم ما ذكره فيما سلّمناه ، والردّ عليه فيما رددناه.
نعم يَرد على ما ذكره المحقق ثانياً ، أعني قوله : وإذا عزم من الليل لم ينوِ الصوم ، أنّ حاصله أنّ من عزم من الليل فهو غير ناوٍ للصوم ؛ لمنافاة نيّة الصوم مع نيّة السفر ، وليس ذلك إلا لمنافاة السفر مع الصوم ، فكما أنّ نفس السفر منافٍ لنفس الصوم ، فنيّته أيضاً منافية لنيّته.
وحينئذٍ فنقول : إن أراد أنّ مطلق السفر منافٍ لمطلق الصوم ، فهو لا يقول به ، بل يقول : إنّ السفر المنوي من الليل إنّما هو منافٍ له لا غير ، والخصم أيضاً لا يسلّمه إذا كان بعد الزوال.
وإن أراد أنّ السفر المنوي من الليل ينافيه ، فإنّه وإن كان يسلّمه الخصم إذا كان قبل الزوال ، ولكن لا يسلّمه إذا كان بعد الزوال ، ومذهب المحقّق التعميم.
والاعتماد على الأخبار الاتية لو تمّ ، فهو خروج عن هذا الاستدلال ؛ إذ هو نمط آخر ، إلا أن يكون مراده بيان نية السفر قبل الزوال فقط ، فيكون دليله أخصّ من المدّعى.
ومع ذلك ففيه توهم دور ؛ وتقريره : أنّ قولنا نيّة السفر قبل الزوال المسبوق بنيته ليلاً في الليل منافية لنيّة الصوم في الليل ؛ مستلزم لتقدّم نيّته ليلاً على نيّته في الليل.
ويمكن دفعه : بأنّ الدور معي لا توقّفي ، وتقريره : أنّ مع العزم على السفر قبل الزوال يصدق عليه أنّه عزم على السفر قبل الزوال الذي هو مسبوق بالتبييت ، لا مطلق السفر قبل الزوال ، وإن كانت صيرورته سفراً قبل الزوال مع سبق التبييت بهذا العزم ، وكونه منافياً للصوم مسلّم له ولخصمه.
فظهر مما ذكرنا : أنّه لا بدّ للمحقق أيضاً أن يقول : إنّ تبييت نيّة السفر إنّما يضرّ إذا
__________________
(١) المدارك ٦ : ٢٩٠.
(٢) المعتبر ٢ : ٧١٥.