بالاعتكاف الواجب في الصوم المستحب ، ولم يقيّده ثمّة بالواجب المعيّن ، بل أطلق (١) ، فكما أنّ المضيّ في الاعتكاف الواجب بعنوان التوسعة والإطلاق ينافي كون الصوم مندوباً الموجب لجواز الإفطار ، فكذلك وجوب الإتيان بيوم من الاعتكاف الثابت في ذمّته ينافي جواز نقض اعتكاف اليومين المندوب اعتكافهما.
فنقول : هنا يجب عليه اعتكاف يومين من باب مقدّمة الاعتكاف بيوم هو في ذمّته ، فكيف تصحّ نيّة الندب فيهما؟!
والحقّ ثمّة جواز الاجتماع ؛ لأنّ الاعتكاف شرطه الوقوع في حال الصوم ، لا وجوب الصوم له ، ولا منافاة بين عدم جواز الإفطار والاستحباب حينئذٍ ؛ لتغاير الحيثيات ، وجواز اجتماع الضدين مع تغاير الجهتين ، كما حقّقناه في الأُصول (٢).
ويتمّ ذلك في المعيّن أيضاً ؛ لأنّ النسبة بين الحيثيتين فيه أيضاً عموم من وجه ، وأما ههنا فلا يصحّ ؛ إذ المفروض أنّ الإتيان باليومين إنّما هو لأجل الإتيان بالثالث ، وذلك لا يكون إلا بنية الوجوب لأجل المقدّمة.
لا يقال : إنّ مراده أنّه لو فرض إتيانه باليومين المستحبّين اللذين يجب ثالثهما قسراً وإن لم يقصد الإتيان بما في ذمته أصلاً ولم يخطر بباله قطعاً فذلك يكفي في الامتثال ؛ لأنّه يصدق عليه أنّه أتى باعتكاف يوم واجب ، فحصل الامتثال.
لأنّا نقول : أوّلاً : لا يصحّ هذا التوجيه بالنسبة إلى تفريعاته ، فإنّه فرض ذلك في بيان الإتيان بالواجب بتتميمه مع الزائد ، وتقديم الزائد على الواجب ، وتأخيره وتوسيطه لا يمكن إلا مع القصد إلى الإتيان بالواجب.
وثانياً : أنّه لا دليل على صدق الامتثال بمثل ذلك شرعاً وعرفاً ؛ إذ الامتثال فرع القصد والنية.
وثالثاً : أنّ هذا يتمّ على القول بعدم وجوب الثالث أيضاً ؛ لأنّه إذا لم يعتبر قصد
__________________
(١) المسالك ٢ : ٩٣.
(٢) القوانين ١ : ١٤٠.