وأما ما ذهب إليه المفيد (١) وابن حمزة (٢) من جواز صوم شهرين متتابعين في السفر ، فهو ليس قولاً بوجوبه في السفر بمعنى عدم جواز إفطاره ، ولا مستلزماً له ، بل بمعنى أنّ السفر ليس بمانع عن صومهما ، كما لا يمنع عن صوم دم المتعة ، وصوم ثمانية عشر يوماً بدل البدنة للمفيض من عرفات قبل الغروب ، ونحو ذلك.
فيرد على كلامه هذا أوّلاً : أنّ ذلك لا يتمّ في الأسفار الواجبة.
وثانياً : أنّه على القول بجواز هذا الصوم في السفر لا دليل على حرمة إفطاره ، إلا إذا ضاق الوقت.
وأما حمله على الاختصاص بالسفر الاختياري ، وإرادة أنّه يجب عليه الصوم حينئذٍ ولا يجوز الإفطار لكون السفر معصية حينئذٍ كما قد يتوهّم فهو غفلة.
ولعلّ هذا المتوهم قاسه على السفر في شهر رمضان ، كما أشرنا إليه في مبحث قضاء الولي عن الميت إذا فاته بسبب السفر من توجيه بعضهم لكلام العلامة ، وهو مع فساد أصله باطل ؛ لظهور الفرق ، لثبوت وجوب الصوم ثمّة عيناً دون ما نحن فيه.
فأظهر الأقوال : مختار الفاضلين ؛ لعدم جواز تخصيص الآية إلا بدليل ، ولا نصّ هنا على المطلوب ، والعلّة المنصوصة مضافاً إلى نفي العسر والحرج إنما يفيد عدم ضرر السفر الاضطراري دون غيره.
ثمّ إنّ من الأعذار الإغماء بين الأيّام إن لم يكن بفعل نفسه ؛ لأنّه يصدق عليه أنّه مما غلب الله عليه وأنّه حبسه.
وأما لو نسي نية الصوم في بعض أيّام الشهر حتى فات محلّها فيفسد صومه ، إنما الإشكال في أنّه يقطع التتابع أم لا ، قال في المدارك : قيل : نعم ؛ لأنّ فساد الصوم يقتضي عدم التتابع ، وقيل : لا ؛ لحديث رفع القلم ، وظاهر التعليل المستفاد من
__________________
(١) المقنعة : ٣٥٠ ، قال : ولا يجوز لأحدٍ أن يصوم في السفر تطوّعاً ولا فرضاً إلا صوم ثلاثة أيّام ، ومن كانت عليه كفّارة يخرج عنها بالصيام ، ونقله عنه في المعتبر ٢ : ٦٨٥ ، والمختلف ٣ : ٤٥٩.
(٢) الوسيلة : ١٤٨.