أحوال بغداد :
لم تهدأ بغداد إلا بدخول السلطان مراد الرابع. والولاة حالهم ما ذكرنا. وفي سنة ١١٠١ ه حدث الطاعون ، فبدّل الحالة وشوش الإدارة أكثر. فظهرت الفتن وتغلبت العشائر ، فاضطربت الأوضاع. ومن ثم جاء هذا الوزير بغداد ، فكانت أيامه من خير العهود. كان استطلع الأحوال ، وعرف الشيء الكثير قبل أن يصل إليها بل اتصل بها اتصالا مباشرا فأسس النظام داخلها ، وتوجه إلى الخارج ، فتسلط عليه بقوة. راعى الحزم وأبدى المصلحة. توضح ذلك كله من وقائعه المتوالية. وفي أيامه تنفس الأهلون الصعداء. بدأ الإصلاح فنجح. وللدولة اهتمام بأمر بغداد لبعدها عن العاصمة ، ولمجاورتها ايران. ومن أهم ما قام به أن وجه آماله نحو التسلط على العشائر ، فكانت سيطرته قاهرة. أرضت الدولة بالرغم من قسوتها.
عشائر الغرير والشهوان :
قالوا : كانوا أشد ضررا. عاثوا في طريق كركوك والموصل. وقطعوا السبل ، فلم يدعوا قرية عامرة حتى انتهبوها. طار شرهم إلى أنحاء ديار بكر. عجزت الدولة عن مقارعتهم مدة ، فاحتاط الوزير للأمر. وأعدّ له عدته ، فاتخذ بعض الوقائع منهم وسيلة. كانوا انتهبوا (كلكا) ورد من الموصل وكذا قطعوا طريق كركوك ، فتجمعت الأسباب.
جهز الوزير جيشا لجبا نحوهم ، فلما سمعوا بذلك أرسلوا مائتي فارس بالهدايا ، وأبدوا أنهم على الطاعة ، وكذبوا ما نسب إليهم تكذيبا باتا ، وقالوا : نتعهد بحفظ الطريق ، ونسلك سبيل الأمان ... فحمل ذلك على أنهم يقصدون تثبيط عزم الوزير ، عدّ ذلك خديعة منهم.
وكانوا تحصنوا (بالخانوقة) (١) ، جعلوا فيها أهليهم تقع على
__________________
(١) رحلة المنشي البغدادي ص ٨٧.