حدودهم وولد فيهم خشية. ولما رأى شيخ شمر أن ركونه إلى الخزاعل غير مجد مال إلى بغداد مذعنا بالطاعة وعند خروجه رفع الراية وأبدى أنه صار شيخا في حين أنه لم يقدم (البيتية) (١) وإنما وافقه على ذلك شيوخ آخرون.
رأى الوزير من الضروري التنكيل بهؤلاء لغزوهم ونهبهم وعدم طاعتهم بتأدية (البيتية) فجهز عليهم جيشه وتوجه بنفسه فعبر الجسر الرضواني ووصل إلى مواطنهم فلم يجد لهم أثرا. فاستراح هناك قليلا ثم فرق جيشه إلى جهات مختلفة للعثور عليهم واللحاق بهم لضربهم وذهب بنفسه في الطريق السلطاني حتى وصل إلى منزل (مشيهد) فحط ركابه واستراح. ولم يقف على خبر عنهم.
وفي نتيجة التحريات أدركهم جيش الوزير ليلا وصاروا على مقربة منه فلم يقاتلهم حتى الصباح وحينئذ هاجم الوزير بجيشه وأبدى البسالة والشجاعة بما لا يوصف. والعشائر ناضلوا نضالا ليس وراءه نضال إلا أنهم لم يستطيعوا المقاومة ففروا.
وفي هذه الحرب نالهم ما لم تنله عشيرة. وأن الجند نهبوا مواشيهم وأغنامهم وربحوا منهم أموالا كثيرة ... ومما يحكى أن الحكومة من حين استولت على العراق إلى اليوم لم تنل ظفرا مثل هذا. وأن العشائر لم تر حربا كهذه. ظهرت فيها الشجاعة والفروسية من الجانبين بكل معانيها ... وأبلى العربان واستماتوا ... جادلوا بكل طاقتهم وبما أوتوا من قوة. لكنهم قهروا. وقتل منهم خلق كثير ...
وعلى هذا جاء إلى الوزير من بقي منهم من كبار وصغار وأطفال
__________________
(١) ضريبة تؤخذ على البيوت من أهل البادية وتسمى (الخانة) ومعناها (البيتية).