قال في الحديقة : صدق ... فإن هؤلاء المنتفق أعراب البصرة ، وإنهم أكثر العرب مضرة ، عجزت الولاة عن كسر شوكتهم ، وذلت الوزراء عن درء أذاهم.
نقل عن والده أنه قال : كانت بغداد قبل تولية حسن باشا تأتي إليها العساكر الكثيرة من قبل الدولة والوزراء العديدون يخيمون في الكرخ يأخذون صحبتهم والي بغداد إلى قتال هؤلاء فيرجعون خائبين من فتك أولئك وقوتهم ... وإن أهل البصرة يؤدون الخراج إليهم وإن واليها لا يسلم من ضرهم حتى يفوض الأمر إليهم ، لكن مذ حل الوزير حسن باشا مدينة السلام كسر شوكتهم ، ورفع غائلتهم عن أهل البصرة ، وبعده جرى ابنه مجرى الأب.
نعم كان هؤلاء استخدموا العناصر العراقية بعضها على بعض فتمكنوا وقويت سلطتهم كما أن المماليك كانوا عونا لهم. وكانت طاعتهم عمياء.
سمع الوزير بالخبر فعجل بالمسير وصحبه الاكراد وسائر ما عنده ولما علم بقدوم الوزير عليه قفل إلى ناحية البصرة فتبعه الوزير فاحتجب في بطون الأهوار ، وكسر السد من جميع الجهات ، وكانت طليعة عسكر الوزير الأكراد ورئيسهم عثمان باشا الكردي. فعبرت عليهم من خيول المنتفق الشجعان وقصدوهم فرسانا فالتقوا وبدأت الحرب. تكاثرت عليهم خيول المنتفق حتى صاروا أضعافهم وازدحم عليهم المدد حتى فاقهم فقاتل ذلك اليوم عثمان باشا قتالا تتضاءل عنده الابطال فذهلوا مما رأوا وولوا الادبار وتحرزوا في أهوارهم.
ثم جاء الوزير ووجه عليهم المدافع وحاصرهم لبضعة أيام فلم يبرح. فنالهم الجوع والضيق لحد أن ابن الشيخ سعدون قدم على الوزير وقال له : يا عماه إني جائع فأشبعني وإن أهلي وأقاربي كادوا يموتون