الرحمة لأجل هدايتك وإنقاذك ، وكذلك لهداية وإنقاذ العالم البشري ، وهذه الرحمة ـ في الواقع ـ مكمّلة لرحمة الخلق.
إنّ الله الذي خلق البشر بمقتضى رحمته الخاصّة والعامّة ، وألبسهم لباس الوجود الذي هو أفضل الألبسة ، هو نفسه الذي بعث إليهم قادة وأعين معصومين وحريصين رؤوفين .. ذوي استقامة وقدرة لهداية الناس ، لأنّ من مقتضيات رحمة الله أن لا تخلو الأرض من حجّة له عزوجل.
وفي نهاية الآية ولأجل تأكيد المعنى السابق جاء قوله تعالى : (إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً).
إنّ وجود القابلية لهذا الفضل في قلبك الكبير بجهادك وعبادتك من جهة ، وحاجة العباد إلى مثل قيادتك من جهة أخرى ، جعلا فضل الله عليك كبيرا للغاية فقد فتح الله أمامك أبواب العلم ، وأنبأك بأسرار هداية الإنسان ، وعصمك من الخطأ ، حتى تكون أسوة وقدرة لجميع الناس إلى نهاية هذا العالم.
كما أنّه ينبغي أن نشير إلى أنّ الجملة الاستثنائية الواردة هنا ترتبط مع الآية السابقة ، ومفهوم المستثنى والمستثنى منه هو هكذا : إذا أردنا فإنّنا نستطيع أن نمنع عنك هذا الوحي الذي أرسلناه لك ، إلّا أنّنا لا نفعل ، لأنّ الرحمة الإلهية شملتك وتشمل جميع الناس (١).
ومن الواضح أنّ هذا الاستثناء لا يعني أنّ الله يحجب في يوم من الأيّام رحمته عن نبيّهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل هو دليل على أنّ الرّسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يملك شيئا من عنده ، فعلمه ووحيه السماوي هو من الله ومرتبط بمشيئته وإرادته.
* * *
__________________
(١) في الحقيقة إنّ مفهوم الجملة هو هكذا : «ولكن لا نشاء أن نذهب بالذي أوحينا إليك رحمة من ربّك».