وقد أظهر عدوانه منذ اليوم الأوّل لأبيكم آدم عليهالسلام.
فاتّخاذ الشيطان وأولاده. بدلا من الخالق المتعال أمر قبيح : (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)(١).
حقّا إنّه لأمر قبيح أن يترك الإنسان الإله العالم الرحيم العطوف ذا الفيوضات والرحمات والألطاف ، ويتمسك بالشيطان وأصحابه ، إنّه أقبح إختيار ، فأي عاقل يقبل أن يتخذ من عدوّه الذي ناصبه العداء ـ منذ اليوم الأوّل وليا وقائدا ودليلا ومعتمدا؟!
الآية التي بعدها هي دليل آخر على إبطال هذا التصوّر الخاطئ ، إذ تقول : عن إبليس وابنائه أنّهم لم يكن لهم وجود حين خلق السماوات والأرض ، بل لم يشهدوا حتى خلق أنفسهم : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ). حتى نطلب العون منهم في خلق العالم ، أو نطلعهم على أسرار الخلق.
لذا فإنّ الشخص الذي ليس له أي دور في خلق العالم ، وحتى في خلق من يقع على شاكلته ومن هو من نوعه ، ولا يعرف شيئا من أسرار الخلق ، كيف يكون مستحقا للولاية ، أو العبادة ، وأي قدرة أو دور يملك؟
إنّه كائن ضعيف وجاهل حتى بقضاياه الذاتية ، فكيف يستطيع أن يقود الآخرين ، أو أن ينقذهم من المشاكل والصعوبات؟
ثمّ تقول : (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً).
يعني أنّ الخلق قائم على أساس الصدق والصحة والهداية ، أمّا الكائن الذي يقوم منهج حياته على الإضلال والإفساد ، فليس له مكان في إدارة هذا النظام ، لأنّه يسير في اتجاه معاكس لنظام الخلق والوجود ؛ إنّه مخرّب ومدمّر وليس مصلحا متكاملا.
آخر آية من الآيات التي نبحثها ، تحذّر مرّة أخرى ، وتقول : تذكروا يوما يأتي
__________________
(١) «بدلا» من حيث التركيب اللغوي ، تمييز. وفاعل «بئس» هو الشيطان وعصابته ، أو عباد الشيطان وعصابته.