بمفهومها اللغوي ، ويقول : إنّه يفهم من عبارة (كانَ مِنَ الْجِنِ) أنّه كان خفيا عن الأنظار كسائر الملائكة ، وهذا المعنى خلاف الظاهر تماما.
ومن الدلائل الواضحة التي تؤكّد ما ذهبنا إليه من المعنى ، أنّ القرآن الكريم يقول في الآية (١٥) من سورة الرحمن : (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) أي من نيران مختلطة ومن جانب آخر كان منطق إبليس عند ما امتنع عن السجود لآدم : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (١).
هذا بالإضافة إلى أن الآيات الشريفة أعلاه أشارت إلى أن لإبليس (ذرية) في حين أن الملائكة لا ذرية لهم.
إن ما ذكرناه آنفا ، مضافا إليه التركيبة الجوهرية للملائكة تثبت أن إبليس لم يكن ملكا ، لكن آية السجود لآدم شملته ـ أيضا ـ لانضمامه إلى صفوف الملائكة ، وكثرة عبادته لله وطموحه للوصول إلى منزلة الملائكة المقربين.
وإنّما بيّن القرآن امتناع إبليس عن السجود بشكل استثنائي ، وأطلق عليه الأمام عليّعليهالسلام في الخطبة القاصعة في نهج البلاغة كلمة (الملك) كتعبير مجازي.
وجاء في كتاب (عيون الأخبار) عن الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام : «إنّ الملائكة معصومون ومحفوظون من الكفر بلطف الله تعالى» قالا : قلنا له : فعلى هذا لم يكن إبليس أيضا ملكا؟ ، فقال : «لا ، بل كان من الجن ، أما تسمعان الله تعالى يقول : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ) فأخبر عزوجل أنّه من الجن ، ...» (٢)
وفي حديث آخر نقل عن الإمام الصادق عليهالسلام ، بأن أحد أصحابه المخلصين وهو جميل بن دراج قال : سألته عن إبليس كان من الملائكة وهل كان يلي من أمر السماء شيئا؟قال : «لم يكن من الملائكة ولم يكن يلي من السماء شيئا ، أنّه
__________________
(١) الأعراف ، ١٢.
(٢) نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٢٦٧.