ولا يبقى ثمّة مجال للشك.
ولكن بالرغم من هذا فإنّ مجموعة عصاة لم يؤمنوا أبدا : (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً).
«صرّفنا» من «تصريف» وتعني التغيير والتحوّل من حال إلى حال. الهدف من هذا التعبير في الآية أعلاه هو أنّنا تحدثنا مع الناس بكل لسان يمكن التأثير به عليهم.
«جدل» تعني محادثة الآخرين على أساس المنازعة وإظهار نزعة التسلّط على الآخرين. ولهذا فإنّ (المجادلة) تعني قيام شخصين بإطالة الحديث في حالة من التشاجر ، وهذه الكلمة في الأصل مأخوذة ـ وكما يقول الراغب في المفردات ـ من (جدلت الحبل) أي ربطت الحبل بقوّة ، وهي كناية عن أنّ الشخص المجادل يستهدف من خلال جدله أن يحرف الشخص الآخر ـ بالقوّة ـ عن أفكاره.
وقال آخرون : إنّ أصل (الجدال) هو بمعنى المصارعة وإسقاط الآخر على الأرض. وهي تستعمل أيضا في الدلالة على الشجار اللفظي.
في كل الأحوال ، يكون المقصود بالناس في الآية هم تلك الفئة التي لا تقوم في وجودها وممارساتها على أصول التربية الإسلامية وقواعدها ، وقد أكثر القرآن في استعمال هذه التعابير ، وقد شرحنا هذه الحالة مفصلا في نهاية الحديث عن الآية (١٢) من سورة يونس.
الآية التي بعدها تقول : إنّه بالرغم من كل هذه الأمثلة المختلفة والتوضيحات المثيرة والأساليب المختلفة التي ينبغي أن تنفذ إلى داخل الإنسان المستعد لقبول الحق ، فإنّ هناك مجموعة كبيرة من الناس لم تؤمن : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) أي مصير الأمم السالفة : (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً) (١) فيرونه بامّ أعينهم.
إنّ هذه الآية ـ في الحقيقة ـ إشارة الى أنّ هذه المجموعة المعاندة والمغرورة
__________________
(١) (قبل) تعني (التقابل ، بمعنى مشاهدة العذاب الإلهي بالعين ، بعض المفسّرين كالطبرسي في مجمع البيان ، وأبي الفتوح في روح الجنان ، والآلوسي في روح المعاني احتملوا أن تكون (قبل) جمع (قبيل) وهي إشارة إلى الأنواع المختلفة من العذاب ، إلّا أنّ المعنى الأوّل أقرب حسب الظاهر.