هذه الحقيقة في قوله تعالى : (عَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (١).
إنّ المستفاد من هذه القضية أن لا يصاب الإنسان باليأس عند ما تهجم عليه الحوادث ، وفي هذا الصدد نقرأ في حديث طريف ينقله عبد الله بن المحدّث والفقيه المعروف زرارة بن أعين ، ويقول فيه عبد الله : قال لي أبو عبد الله عليهالسلام : «اقرأ مني على والدك السلام ، وقل له : إنّي إنّما أعيبك دفاعا منّي عنك ، فإنّ الناس والعدوّ يسارعون إلى كلّ من قرّبناه وحمدنا مكانه لإدخال الأذى في من نحبه ونقرّبه ، ويرمونه لمحبتنا له وقربه ودنوه منّا ، ويرون إدخال الأذى عليه وقتله ويحمدون كل من عبناه نحن ، فإنّما أعيبك لأنّك رجل اشتهرت منّا ، وبميلك إلينا ، وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر بمودّتك لنا ولميلك إلينا ، فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك ، ويكون بذلك منّا دافع شرّهم عنك. يقول الله عزوجل : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) هذا التنزيل من عند الله ، صالحة ، لا والله ما عابها إلا لكي تسلم من الملك ، ولا تعطب على يديه ، ولقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مساغ والحمد لله ، فافهم المثل يرحمك الله ، فإنّك والله أحبّ الناس إليّ ، وأحبّ أصحاب أبي حيا وميتا. فإنّك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر ، وإن من ورائك ملكا ظلوما غصوبا يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد بحر الهدى ليأخذها غصبا ، ثمّ يغصبها وأهلها ورحمة الله عليك حيا ورحمته ورضوانه عليك ميتا» (٢).
و: من دروس القصة الاعتراف بالحقائق واتخاذ المواقف المطابقة لها ، فعند ما تخلف موسى ثلاث مرّات عن الوفاء بالتزامه لصاحبه العالم ، عرف أنّه
__________________
(١) البقرة ، ٢١٦.
(٢) معجم رجال الحديث ، ج ٧ ، ص ٢٢٦.