هذه الصياغة القرآنية بسبب أنّهم لم يخسروا في عمل معين ، بل إنّ جهلهم المركب كان سببا للخسران في جميع البرامج الحياتية وفي جميع أعمالهم.
بعبارة أخرى : إنّ الإنسان قد يربح في تجارة معينة ويخسر في أخرى ، إلّا أنّ المحصلة في نهاية السنة هي أنّه لا توجد خسارة كبيرة ، ولكن من سوء حظ الإنسان أن يخسر في جميع الأعمال التي اشترك فيها.
استخدم كلمة «ضلّ» لعله إشارة إلى هذه الحقيقة ؛ وهي أنّ أعمال الإنسان لا تفني في هذا العالم بأى صورة من الصور ، كما أنّ المادة والطاقة تتبدّل وتتغيّر ولكنّها لا تفنى، ولكن قد تختفي أحيانا ، لأنّه لا يمكن مشاهدة آثارها بالعين ، ولا يمكن الاستفادة منها بأي شكل من الاشكال ومثلها في ذلك مثل رأس المال الضائع والذي لا هو في حوزتنا فنستفيد منه ، ولا هو فان.
أمّا لماذا يصاب الإنسان نفسيا بمثل هذه الحالات؟ فهو أمر سنبحث فيه مفصلا في فقرة البحوث.
الآيات الأخرى تذكر صفات ومعتقدات هذه المجموعة من الخاسرين ، حيث تبدأ بتلك الصفات التي تكون أساسا في مصائبهم فتقول : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ).إنّهم كفروا بالآيات التي تفتح الأبصار والمسامع ؛ الآيات التي ترفع حجب الغرور وتجسّد الحقائق أمام الإنسان ، وأخيرا فإنّها آيات النور والضياء التي تخرج الإنسان من ظلمات الأوهام والتصورات الخاطئة وترشده إلى عالم الحقائق.
ثمّ إنّهم بعد ذلك نسوا الله وكفروا بالمعاد وبلقاء الله (وَلِقائِهِ).
نعم ، فما لم يكن الإيمان بالمعاد إلى جانب الإيمان بالمبدأ ، وما لم يحس الإنسان بأنّ هناك قوّة تراقب أعماله وتحتفظ بكل شيء إلى لحظة انعقاد المحكمة الكبيرة الدقيقة والقاسية ، فإنّ الإنسان سوف لا يعير أهمية إلى أعماله وسوف لا يصلح نفسه.