وعادة فإنّه ليس من مقتضيات البرنامج الإلهي أن يستجيب لأي معجزة يقترحها إنسان ، أو أن ينصاع إلى تنفيذها الرّسول ، ولكن الهدف هو : (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً). إنّ أنبياء الله ليسوا أفرادا خارقي العادة حتى يجلسوا وينفذوا أيّ اقتراح يقترح عليهم وإنّما مسئوليتهم إبلاغ دعوة الله والتعليم والتربية وإقامة الحكومة العادلة ، إلّا أنّهم يظهرون المعجزات من أجل إثبات علاقتهم بالخالق جلّ وعلا ، وبالقدر الذي يناسب هذا الإثبات ليس أكثر.
ثمّ يواسي الله تبارك وتعالى نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في مقابل عناد المشركين وإلحاحهم بالباطل ، إذ يبيّن له أن ليس هذا بالشيء الجديد : (وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ). ففي قبال دعوة الأنبياء عليهمالسلام هناك دائما مجموعة مؤمنة نظيفة القلب نقية السريرة ، صافية الفطرة ، في مقابل مجموعة أخرى معاندة مكابرة لجوجة تتحجج وتجد لنفسها المعاذير في معاداة الدعوات وإيذاء الأنبياء. وهكذا يتشابه الحال بين الأمس واليوم.
ثمّ يضيف تعالى : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) وامتحانا لهم ، وكذلك الشجرة الملعونة هي أيضا امتحان وفتنة للناس : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ).
فيما يخص المقصود من (الرؤيا) و (الشجرة الملعونة) فسنبحث ذلك في مجموعة الملاحظات التي ستأتي بعد قليل إن شاء الله.
وفي الختام يأتي قوله تعالى : (وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً). لماذا؟ لأنّه ما دام قلب الإنسان غير مستعد لقبول الحق والتسليم له ، فإنّ الكلام ليس لا يؤثر فيه وحسب ، بل إنّ له آثارا معكوسة ، حيث يزيد في ضلال هؤلاء وعنادهم بسبب تعصبهم ومقاومتهم السلبية وانغلاق نفوسهم عن الحق. (تأمّل ذلك).
* * *