في القرآن مرارا في الإرث المعنوي ، كالآية (٣٢) من سورة فاطر ، والآية (٥٣) من سورة المؤمن. إضافة إلى أنّنا لو فرضنا أنّها خلاف الظاهر ، فإنّ هذا الإشكال سيزول بوجود القرائن.
إلّا أنّ أنصار الرأي الأوّل يستطيعون أن يناقشوا هذه الاستدلالات ، بأنّ ما كان يشغل فكر زكريا ـ نبي الله الكبير ـ هي مسألة الأموال ، ولم تكن تشغله كمسألة شخصية ، بل باعتبارها مصدرا لفساد أو صلاح المجتمع ؛ لأنّ بني إسرائيل ـ وكما قيل أعلاه ـ كانوا يأتون بالهدايا والنذور الكثيرة إلى الأحبار فكانت تودع عند زكريا ، وربما كانت هناك أموالا متبقية من قبل زوجته التي كانت من أسرة سليمان ، ومن البديهي أن وجود شخص غير صالح يتولى هذه الأموال قد يؤدي إلى مفاسد عظيمة ، وهذا هو الذي كان يقلق زكريا.
وأمّا الصفات المعنوية التي ذكرت ليحيى في هذه الآيات والآيات الأخرى ، فإنّها تؤيد ما ذكرنا ، وتنسجم معه ، لأنّه أراد أن تقع هذه الثروة العظيمة بيد رجل صالح يستفيد منها في سبيل المجتمع.
إلّا أنّنا نعتقد بأنا إذا توصلنا من مجموع المباحث أعلاه إلى هذه النتيجة ، وهي أن للإرث هنا مفهوما ومعنى واسعا يشمل إرث الأموال كما يشمل إرث المقامات المعنوية ، فسوف لا يكون هناك مورد خلاف ، لأنّ لكل رأي قرائنه ، وإذ لاحظنا الآيات السابقة واللاحقة ومجموع الرّوايات ، فإنّ هذا التّفسير يبدو أقرب للصواب.
أمّا جملة (إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) فإنّها مناسبة لكلا المعنيين ، لأنّ الأشخاص الفاسدين إذ تولوا أمر هذه الأموال ، فإنّهم سيكونون مصدر قلق حقا ، وإذا وقعت زمام الأمور وقيادة الناس المعنوية بيد أناس منحرفين ، فإنّ ذلك أيضا يثير المخاوف،وعلى هذا فإنّ خوف زكريا يمكن توجيهه في كلا الصورتين. وحديث فاطمة الزهراءعليهاالسلام يناسب هذا المعنى أيضا.