ببشارته على تحقيق مراده ، وفي مقابل طلب الولد فإنّه يعطيه مولدا ذكرا ، ويسميه أيضا بنفسه ، ويضيف إلى ذلك أنّ هذا الولد قد تفرد بأمور لم يسبقه أحد بها. لأنّ قوله : (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) وإن كانت تعني ظاهرا بأن أحدا لم يسم باسمه لحد ولادته ، لكن لما لم يكن الاسم لوحده دليلا على شخصية أحد ، فسيصبح من المعلوم أنّ المراد من الاسم هنا هو المسمّى ، أي أحدا قبله لم يكن يمتلك هذه الامتيازات ، كما ذهب الراغب الأصفهاني إلى هذا المعنى ـ بصراحة ـ في مفرداته.
لا شك في وجود أنبياء كبار قبل يحيى ، بل وأسمى منه ، إلّا أنّه لا مانع مطلقا من أن يكون ليحيى خصوصيات تختص به ، كما ستأتي الإشارة إلى ذلك فيما بعد.
أمّا زكريا الذي كان يرى أن الأسباب الظاهرية لا تساعد على الوصول إلى مثل هذه الأمنية ، فإنّه طلب توضيحا لهذه الحالة من الله سبحانه : (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا).
«عاقر» في الأصل من لفظة «عقر» بمعنى الجذر والنهاية ، أو بمعنى الحبس ، وإنّما يقال للمرأة : عاقر ، لأنّ قابليتها على الولادة قد انتهت ، أو لأنّ إنجاب الأولاد محبوس عنها.
«العتيّ» تعني الشخص الذي نحل جسمه وضعف هيكله ، وهي الحالة التي تظهر على الإنسان عند شيخوخته.
إلّا أنّ زكريا سمع في جواب سؤاله قول الله سبحانه : (قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) (١).
إن هذه ليست بالمسألة العجيبة ، أن يولد مولود من رجل طاعن في السن
__________________
(١) المعروف بين المفسّرين أن عبارة (كذلك) هي في تقدير (الأمر كذلك). ويحتمل كذلك أن (كذلك) متعلقة بما بعدها ويصبح معناها : كذلك قال ربّك.