لقد كانت تعيش في حالة بين الخوف والأمل ، حالة من القلق والاضطراب المشوب بالسرور ، فهي تفكر أحيانا بأن هذا الحمل سيفشو أمره في النهاية ، فالأفضل أن أبقى بعيدة عن أولئك الذين يعرفونني عدّة أيّام أو أشهر ، وأعيش في هذا المكان بصورة مجهولة ، وماذا سيحدث في النهاية؟
فمن الذي سيقتنع بأنّ امرأة لا زوج لها تحمل دون أن تكون قد تلوثت بالرذيلة؟ فما ذا سأفعل تجاه هذا الاتهام؟ والحق أنّ من المؤلم جدّا بالنسبة لفتاة كانت لسنين طويلة نموذجا وقدوة للطهارة والعفة والتقوى والورع ، ومثالا في العبادة والعبودية لله ، وكان زهاد بني إسرائيل يفتخرون بكفالتها منذ الطفولة ، وقد تربت وترعرعت في ظل نبي كبير ، وقد شاع أمر سجاياها وقداستها في كل مكان ، أن تحس في يوم ما أن كل هذا الرصيد المعنوي مهدد بالخطر ، وستكون غرضا ومرمى لاتهام يعتبر أسوء وأقبح اتهام ، وكانت هذه هي المصيبة الثّالثة التي وقعت لها.
إلّا أنّها من جهة أخرى كانت تحس أنّ هذا المولود ، نبي الله الموعود ، تحفة سماوية نفيسة ، فإنّ الله الذي بشرني بمثل هذا الغلام ، وخلقه بهذه الصورة الإعجازية كيف سيذرني وحيدة؟ فهل من المعقول أن لا يدافع عني في مقابل مثل هذا الاتهام؟ أنا التي رأيت وجربت لطفه على الدوام ، وأحسست بيد رحمته على رأسي.
وهناك بحث بين المفسّرين في مدّة حمل مريم ، بالرغم من أنّه ذكر في القرآن بصورة مخفية ومبهمة ، فبعضهم حسبه ساعة واحدة ، وآخر تسع ساعات ، وثالث ستة أشهر ، ورابع سبعة ، وآخر ثمانية ، وآخر تسعة أشهر كسائر النساء ، إلّا أن هذا الموضوع ليس له ذلك التأثير في هدف هذه القصّة. والرّوايات الواردة في هذا المجال مختلفة أيضا.
وقد اعتقد الكثيرون أنّ المكان «القصي» هو مدينة «الناصرة» وربّما بقيت