وكذلك جعلني مطيعا ووفيا لأمي (وَبَرًّا بِوالِدَتِي) (١) (وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا).
كلمة «جبار» تطلق على الشخص الذي يعتقد بأنّ له كل الحق على الناس ولا يعتقد بأنّ لأحد عليه حقا.
وكذلك يطلقونها على الذي يضرب الناس ويقتلهم إذا غضب ، ولا يتبع ما يأمر به العقل ، أو أنّه يريد أن يسد نقصه ويغطيه بادعاء العظمة والتكبر ، وهذه كلها صفات بارزة للطواغيت المستكبرين في كل زمان (٢).
و «الشقي» تقال للشخص الذي يهيء أسباب البلاء والعقاب لنفسه ، وبعضهم فسر ذلك بالذي لا يقبل النصيحة ، ومن المعلوم أن هذين المعنيين لا ينفصلان عن بضعهما.
ونقرأ في رواية ، أن عيسى عليهالسلام يقول «قلبي رقيق وأنا صغير في نفسي» (٣)وهو إشارة إلى أن هذين الوصفين يقعان في مقابل الجبار والشقي.
وفي النهاية يقول هذا المولود ـ أي المسيح ـ (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) وكما قلنا في شرح الآيات المتعلقة بيحيى عليهالسلام ، فإنّ هذه الأيّام الثلاثة في حياة الإنسان أيّام مصيرية خطرة ، لا تتيسر السلامة فيها إلّا بلطف الله ، ولذلك جاءت هذه الآية في حق يحيى عليهالسلام كما وردت في شأن المسيح عليهالسلام ، مع الاختلاف بأنّ الله هو الذي قالها في المورد الأوّل ، أمّا في المورد الثّاني فإنّ المسيح قد طلب ذلك.
* * *
__________________
(١) البر ـ بالفتح ـ بمعنى الشخص المحسن ، في حين أن البر ـ بالكسر ـ بمعنى صفة الإنسان ، وينبغي الالتفات إلى أن هذه الكلمة في الآية عطف على (مباركا) لا على الصلاة والزكاة ، والمعنى في الواقع : جعلني برا بوالدتي.
(٢) لزيادة التوضيح حول (جبار) ، وجواب هذا السؤال ، وهو أنّه كيف تكون إحدى صفات الله سبحانه أنّه جبار؟يراجع ذيل الآية (٥٩) من سورة هود من هذا التّفسير.
(٣) تفسير الفخر الرازي ، آخر الآية.