الملفت للنظر ، أنّ آزر لم يكن راغبا حتى في أن يجري إنكار الأصنام أو مخالفتها وتحقيرها على لسانه ، بل إنّه قال : أراغب أنت عن هذه الآلهة؟ حتى لا تهان الأصنام! هذا أولا.
ثانيا : إنّه عند ما هدد إبراهيم ، هدده بالرجم ، ذلك التهديد المؤكّد الذي يستفاد من لام ونون التوكيد الثقيلة في «لأرجمنّك» ومن المعلوم أن الرجم من أشد وأسوء أنواع القتل.
ثالثا : إنّه لم يكتف بهذا التهديد المشروط ، بل إنّه اعتبر إبراهيم في تلك الحال وجودا لا يحتمل ، وقال له (اهْجُرْنِي مَلِيًّا) أي ابتعد عني دائما ، وإلى الأبد (كلمة «مليا» ـ حسب قول الراغب في المفردات ـ أخذت من مادة الإملاء ، أي الإمهال الطويل ، وهي تعني هنا أن ابتعد عني لمدّة طويلة ، أو على الدوام).
وهذا التعبير المحقّر جدّا لا يستعمله إلّا الأشخاص الأجلاف والقساة ضد مخالفيهم.
بعض المفسّرين لا يرى أن جملة «لأرجمنّك» تعني الرمي بالحجارة ، بل اعتقد أنّها تعني تشويه السمعة والاتهام ، إلّا أن هذا التّفسير يبدو بعيدا ، وملاحظة سائر آيات القرآن ـ التي وردت بهذا التعبير ـ شاهد على ما قلناه.
لكن ، ورغم كل ذلك ، فقد سيطر إبراهيم على أعصابه ، كبقية الأنبياء والقادة الإلهيين ، ومقابل هذه الغلظة والحدّة وقف بكل سمو وعظمة ، و (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ).
إنّ هذا السلام يمكن أن يكون سلام التوديع ، وأن إبراهيم بقوله : (سَلامٌ عَلَيْكَ) وما يأتي بعده من كلام يقصد ترك آزر. ويمكن أن يكون سلاما يقال لفض النزاع ، كما نقرأ ذلك في الآية (٥٥) من سورة القصص : (لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ).
ثمّ أضاف : (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا). إن إبراهيم في الواقع قابل