ثمّ تتحدث الآيات عن جماعة انفصلوا عن دين الأنبياء المربي للإنسان ، وكانوا خلفا سيئا لم ينفذوا ما أريد منهم ، وتعدد الآية قسما من أعمالهم القبيحة ، فتقول : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا).
(خلف) بمعنى الأولاد الطالحين ، و (خلف) بمعنى الأولاد الصالحين.
وهذه الجملة قد تكون إشارة إلى جماعة من بني إسرائيل ساروا في طريق الضلال ، فنسوا الله ، ورجحوا اتباع الشهوات على ذكر الله ، وملؤوا الدنيا فسادا ، وأخيرا ذاقوا وبال أعمالهم السيئة في الدنيا ، وسيذوقونه في الآخرة أيضا.
واحتمل المفسّرون احتمالات عديدة في أنّ المراد من (إضاعة الصلاة) هنا هل هو ترك الصلاة ، أم تأخيرها عن وقتها ، أم القيام بأعمال تضيع الصلاة في المجتمع؟ إن المعنى الأخير ـ كما يبدو ـ هو الأصح.
لماذا كان التأكيد على الصلاة ـ هنا ـ من بين كل العبادات؟
قد يكون السبب أن الصلاة ـ كما نعلم ـ سدّ يحول بين الإنسان والمعاصي ، فإذا كسر هذا السد فإن الغرق في الشهوات هو النتيجة القطعية لذلك ، وبتعبير آخر ، فكما أن الأنبياء يبدؤون في ارتقاء مراتبهم ومقاماتهم من ذكر الله ، وعند ما كانت تتلى عليهم آيات الله كانوا يخرون سجدا ويبكون ، فإن هذا الخلف الطالح بدأ انحرافهم وسقوطهم من نسيانهم ذكر الله.
ولما كان منهج القرآن في كل موضع هو فتح أبواب الرجوع إلى الإيمان والحق دائما ، فإنّه يقول هنا أيضا بعد ذكر مصير الأجيال المنحرفة : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) ، وعلى هذا فلا يعني أن الإنسان إذا غاص يوما في الشهوات فسيكتب على جبينه اليأس من رحمة الله ، بل إن طريق التوبة والرجوع مفتوح ما بقي نفس يتردد في صدر الإنسان ، وما دام الإنسان على قيد الحياة.
* * *