بنات الله (١).
عند ذلك قالت الآية بلهجة شديدة : (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا) والإدّ ـ على وزن ضد ـ معناه في الأصل الصوت القبيح المضطرب الذي يصل الأذن نتيجة الاضطراب الشديد للأمواج الصوتية في حنجرة البعير ، ثمّ أطلق على الأعمال القبيحة والموحشة جدا.
ولما كانت مثل هذه النسبة غير الصحيحة مخالفة لأصل التوحيد ـ لأنّ الله سبحانه لا شبيه له ولا مثيل ، ولا حاجة له إلى الولد ، ولا هو جسم ولا تعرض عليه العوارض الجسمية ـ فكأنّ كل عالم الوجود ، الذي بني على أساس التوحيد ، قد اضطرب وتصدع إثر هذه النسبة الكاذبة ، ولذلك تضيف الآية التالية : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا)!
ومن أجل تأكيد وبيان أهمية الموضوع فإنّها تقول : إن كل ذلك من أجل (أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً).
إنّ هؤلاء ـ في الحقيقة ـ لم يعرفوا الله قط ، لأنّه : (وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) فإنّ الإنسان يطلب الولد لواحد من عدّة أشياء :
إمّا لأنّ عمره ينتهي فيحتاج لولد مثله يحمل صفاته ليبقى نسله وذكره.
أو لأنّه يطلب الصديق والرفيق لأنّ قوته محدودة.
أو لأنّه يستوحش من الوحدة ، فيبحث عن مؤنس لوحدته.
أو لأنّه يحتاج عند كبره وعجزه إلى مساعد ومعين شاب.
لكن أيّا من هذه المعاني لا ينطبق على الله سبحانه ، ولا يصح ، فلا قدرته محدودة ، ولا حياته تنتهي ، ولا يعتريه الضعف والوهن ، ولا يحس بالوحدة والحاجة ، إضافة إلى أن امتلاك الولد دليل على الجسمية ، ووجود الزوجة ، وكل
__________________
(١) لقد تمّ الحديث عن «عزير» في الآية (٣٠) من سورة التوبة ، وعن (الملائكة) في ذيل الآية (١٩) من سورة الزخرف.