وهنا صدر الأمر لموسى (قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى) (١).
وفي الآية (٣١) من سورة القصص نقرأ : (وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ).
وبالرغم من أن خوف موسى هنا قد أثار التساؤل لدى بعض المفسّرين بأن هذه الحالة كيف تناسب موسى مع الشجاعة التي عهدنا لدى موسى ، وأثبتها عمليا طوال عمره عند محاربته الفراعنة؟ إضافة إلى صفات وشروط الأنبياء بصورة عامّة.
إلّا أنّ الجواب عن هذا السؤال يتّضح بملاحظة نكتة واحدة ، وهي أن من الطبيعي أن كل إنسان ، مهما كان شجاعا وغير هياب ، إذا رأى فجأة قطعة خشب تتحول إلى حية عظيمة وتتحرك بسرعة ، فلا بدّ أن يرتبك ويخاف ولو لمدّة قصيرة ويسحب نفسه جانبا توقيا ، إلّا أن يكون هذا المشهد قد تكرر أمامه مرارا ، ورد الفعل الطبيعي هذا لا يكون نقطة ضعف ضد موسى أبدا. ولا تنافي الآية (٣٩) من سورة الأحزاب حيث تقول:(الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) فإن هذا الخوف طبيعي ومؤقت وسريع الزوال أمام حادثة لم تحدث من قبل قط ، وخارق للعادة.
ثمّ أشارت الآية التالية إلى المعجزة المهمّة الثّانية لموسى ، فأمرته : (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى) (٢).
وبالرغم من أنّ للمفسّرين في تفسير جملة (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ ...)أقوالا مختلفة ، إلّا أنّه بملاحظة الآية (٣٢) من سورة القصص ، والتي تقول : (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) والآية (١٢) من سورة النمل ، والتي تقول : (وَأَدْخِلْ يَدَكَ
__________________
(١) «السيرة» ـ كما يقول الراغب في المفردات ـ بمعنى الحالة الباطنية ، سواء غريزية أو اكتسابية والبعض فسرها هنا بمعنى الهيئة والصورة.
(٢) آية منصوبة على أنها اسم حال محل الحال ، والحال لضمير مستتر في (تخرج).