أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ).
وفي نفس هذه السورة «سورة سليمان» في الآية (٦) نقرأ في شأن القرآن الكريم (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ).
بناء على هذا فإنّ فعل الإلقاء والتلقّي قد استعمل مرارا في هذا المورد ، بل وحتّى نفس فعل اللقاء قد استعمل في مورد صحيفة أعمال الإنسان ، فنقرأ في الآية (١٣) من سورة الإسراء : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً).
ومن مجموع ما قلناه يتّضح ترجيح هذا التّفسير على سائر الاحتمالات التي احتملت في الآية أعلاه (١).
لكن ينبغي الالتفات إلى أنّ النّبي صلىاللهعليهوآله لم يشكّ في مثل هذه المسائل مطلقا ، بل إنّ مثل هذه التعبيرات تستعمل عادة لتأكيد المطلب ، وليكون نموذجا للآخرين.
ثمّ تشير الآية التالية إلى الأوسمة والمفاخر التي حصل عليها بنو إسرائيل في ظلّ الاستقامة والإيمان لتكون درسا للآخرين ، فتقول : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ).
لقد ذكرت الآية هنا شرطين للإمامة : أحدهما : الإيمان واليقين بآيات الله عزوجل ، والثّاني : الصبر والاستقامة والصمود. وهذا الأمر ليس مختصّا ببني
__________________
(١) ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ مرجع الضمير في (لقائه) إلى موسى ، وبناء على هذا يصبح المعنى : لا شكّ يا محمّد بأنّك ستلتقي بموسى ، واعتبروا ذلك إشارة إلى لقائه به في ليلة المعراج أو في يوم القيامة. وهذا المعنى لا يبدو منسجما مع مفهوم الجملة. وقال البعض الآخر : إنّ الضمير يرجع إلى الكتاب ، والمراد منه القرآن ، أي : لا تدع أيّها النّبي للشكّ في أنّ هذا القرآن وحي إلهي إلى نفسك سبيلا ، وهذا المعنى وإن كان يتلائم مع آيات بداية السورة ، إلّا أنّه لا يتلاءم كثيرا مع الجمل الاخرى الموجودة في نفس هذه الآية. إضافة إلى أنّ الكتاب في الآية مورد البحث بمعنى التوراة ، فلا ينسجم معه عود الضمير إلى القرآن ـ وتوجيه هذا المعنى بأنّ المراد مطلق الكتاب السماوي لا يقلّل من كونه خلاف الظاهر. وقال بعض المفسّرين : إنّ الضمير في (لقائه) يعود إلى الله ، وهذه الجملة إشارة إلى أنّه لا شكّ أبدا في مسألة المعاد ، وهذا المعنى وإن كان يتّفق وينسجم مع الآيات السابقة ، إلّا أنّه لا يتلاءم من أي وجه تقريبا مع نفس الآية مورد البحث. ومن هنا يتّضح أنّ ما ورد في بعض التفاسير من أنّ الآية إشارة إلى التقاء خطّي وبرنامجي موسى ونبي الإسلام ، مطلب ذوقي لا يناسب المفهوم الواقعي لألفاظ الآية ، وبناء على هذا فإنّ أوضح التفاسير وأجلاها ما أوردناه أعلاه.