صارما ، أقام أبّهة الخلافة قليلا. ثمّ إنّ الجند خرجوا على الأشرف إينال (١) ، فقام معهم ، وحدّثته نفسه بطلب الملك ، فانهزم الجند ، فلم يحصل من يدهم شيء. فغضب عليه الأشرف ، وطلبه إلى القلعة ، وعاتبه في ذلك ؛ فحكي أنّ الخليفة قال : خلعت نفسي وعزلتك ، وكان غلطة منه ؛ فقال شيخنا قاضي القضاة علم الدين البلقينيّ ـ وكان حريصا على جرّ الخلافة إلى أخي الخليفة يوسف ، لكون زوج ابنته ؛ فقال : قد بدأ بخلع نفسه فانخلع ، وثنّى بخلع السلطان وهو غير خليفة ؛ فلم ينفذ عزله. وحكم بصحّة خلعه ؛ وذلك في جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين ، وبايع أخاه أبا المحاسن يوسف ولقّب المستنجد بالله ، وسيّر القائم إلى الإسكندرية إلى أن مات بها سنة ثلاث وستّين ودفن عند شقيقه المستعين. ومن الاتّفاق الغريب أنّهما شقيقان ، كلّ منهما رام السلطنة ، وكلّ منهما خلع ؛ وسكن الإسكندريّة ، ودفنا معا ؛ وحكم بخلعهما قاضيان أخوان ؛ ذلك خلعه الجلال البلقينيّ ؛ وهذا أخوه العلم البلقينيّ.
واستمرّ المستنجد في الخلافة ساكنا بمنزل إخوته ، إلى أن توفّي الظاهر خشقدم (٢) ، فدعاه إلى أن يسكن عنده في القلعة ، واستمرّ ساكنا بها إلى أن مات يوم السبت رابع عشري المحرّم سنة أربع وثمانين وثمانمائة (٣).
وعهد بالخلافة إلى ابن أخيه سيّدي عبد العزيز (٤) أبي العزّ يعقوب بن المتوكّل على الله ، فلمّا كان يوم الاثنين سادس عشري المحرّم طلع إلى القلعة ، وحضر القضاة والأعيان ، فأمضوا عهد عمّه ، ولبس تشريف الخلافة ، ونزل إلى داره ، والقضاة والأعيان بين يديه ، وكان يوما مشهودا. وكان أراد أن يتلقّب بالمستعزّ بالله ، ثمّ وقع التردّد بينه وبين المستعين أو المتوكّل ، واستقرّ الحال على أن لقب : «المتوكل على الله» ، وهو الآن عين بني العباس وشامتهم ؛ لم يزل مشارا إليه ، محبوبا في صدور الناس ، وله اشتغال على والدي وغيره من المشايخ ، وأجاز له باستدعائي جماعة من المسندين ، وقد خرّجت لهم عنه جزءا حدّث به. وألّفت برسمه كتاب «الأساس في فضل بني العباس» ، وكتاب «رفع الباس عن بني العباس». أبقاه الله بقاء جميلا ، وأدامه على رباع المسلمين
__________________
(١) تسلطن الملك الأشرف إينال في ثامن ربيع الأول سنة ٨٥٧ ه. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٤٤].
(٢) تسلطن الملك الظاهر خشقدم تاسع عشر رمضان سنة ٨٦٥ ه. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٤٤].
(٣) شذرات الذهب : ٧ / ٣٣٩.
(٤) في شذرات الذهب : ٧ / ٣٣٩ : العزى عبد العزيز بن الشرفي يعقوب بن المتوكل.