الإسلام والمسلمين ؛ أنّه عهد إلى شقيقه المقرّ العالي المولويّ الأصيليّ العريقيّ الحسيبيّ النسيبيّ السليليّ سيّدي أبي الربيع سليمان المستكفي بالله ، عظّم الله شأنه ، بالخلافة المعظّمة ، وجعله خليفة بعده ، ونصّبه إماما على المسلمين ، عهدا شرعيّا ، معتبرا مرضيّا ، نصيحة للمسلمين ، ووفاء بما يجب عليه من مراعاة مصالح الموحّدين ، واقتداء بسنّة الخلفاء الراشدين ، والأمة المهديّين.
وذلك لما علم من دينه وخيره ، وعدالته وكفالته وأهليّته ، واستحقاقه بحكم أنه اختبر حاله ، وعلم طويّته ، وأنه الذي يدين الله به أنّه أتقى لله ممّن رآه ، وأنه لا يعلم صدر منه ما ينافي استحقاقه لذلك ، وإنّه إن ترك الأمر هملا من غير تفويض للمشار إليه أدخل إذ ذاك المشقّة على أهل الحلّ والعقد في اختيار من ينصّبونه للإمامة ، ويرتضونه لهذا الشأن ، فبادر إلى هذا الشأن ، شفقة عليهم ، وقصدا لبراءة ذمّتهم ووصول الأمر إلى من هو أهله ، لعلمه أنّ العهد كان غير محوج إلى رضا سائر أهله ، ووجب على من سمعه وتحمّل ذلك منه أن يعلم به ، ويأمر بطاعته عند الحاجة إليه ، ويدعو النّاس إلى الانقياد له ، فسجّل ذلك على من حضره حسب إذنه الشريف ، وسطّر عن أمره قبل ذلك سيّدي المستكفي أبو الربيع سليمان ، المسمّى فيه ، عظّم الله شأنه قبولا شرعيّا :
ومات المعتضد يوم الأحد رابع ربيع الأول سنة خمس وأربعين (١) واستقرّ المستكفي ، وكان من صلحاء الخلفاء وعبّادهم ، صالحا ديّنا عابدا ، كثير التعبّد والصلاة والتلاوة ، كثير الصمت ، حسن السيرة. وكان الظاهر جقمق (٢) يعتقده ، ويعرف له حقّه ، فأقام إلى أن مات ليلة الجمعة ، سلخ ذي الحجّة سنة أربع وخمسين (٣) ، ولم يعهد بالخلافة لأحد.
وكان والدي خصيصا به جدّا ، فلم يعش بعده إلا أربعين يوما ، ومشى السلطان في جنازة المستكفي إلى تربته ، وحمل نعشه بنفسه.
وبايع بعده بالخلافة أخاه أبا البقاء حمزة ، ولقّب القائم بأمر الله ، وكان سهما
__________________
(١) شذرات الذهب : ٧ / ٢٥٥.
(٢) تسلطن الملك الظاهر جقمق في تاسع عشر ربيع الأول سنة ٨٤٢ ه. [الخطط المقريزية : ٢ / ٢٤٤].
(٣) في شذرات الذهب : ٧ / ٢٨٤ : سنة خمس وخمسين.