الحلوم ، ويغترّون بقرب السلطان وهو ظلّ عليهم لا يدوم ، وإذا دعوا لمجلس الحكم حملهم البطر والأشر على الامتناع من مساواة الخصوم ، ولا يفرق بين هؤلاء وبين ضعيف لا يرفع يدا ولا طرفا ، ولا يملك عدلا ولا صرفا ؛ ونحن نبرأ من مخالفة الدرجات في حكم العزيز الحكيم ، ولعن الله اليهود الّذين نسخوا آية الرّجم بما أحدثوه من التجبية والتحميم ، وقد بسطنا يدك بسطا ليس له انقباض ، ولا عليه اعتراض ؛ وأنت القاضي الذي لا يكون اسمك منقوصا فيقال فيه إنّك قاض. وإذا استقللت بهذه الوصيّة ، فانظر فيما يليها من أمر الوكلاء القائمين بمجلس الحكم الذين لا تردّ أحدا منهم إلا خليّا لويّا ، أو خادعا خلويّا ، وإذا اعتبرت أحوالهم وجدوا عذابا على الناس مصبوبا ولا يتمّ لهم إلا في ستر القضايا ونعيمها ، ولا ينحون في شيء منها إلا نحو إمالتها وترخيمها ؛ فأرح الناس من هذه الطائفة العروفة بنصب الحبالة (١) ، التي تأكل الرّشى (٢) وتخرجها في مخرج الجعالة ، وطهّر منها مجلسك الذي ليس بمجلس ظلم وزور وإنما هو مجلس عدل وعدالة ؛ ومن العدل أن يخلّى بين الخصوم حتى يكافح بعضهم بعضا ، والمهل في مثل هذا المقام لرعي الرعاية لما يقضي ؛ وإن كان أحدهم ألحن بحجّته فكله إلى عالم الأسرار ، وإذا حكمت له بشيء من حقّ أخيه فلا تبال أن تقطع له قطعة من النار.
وكذلك فانظر في الوصيّة المختصّة بالشهداء ؛ فإنهم قد تكاثرت أعدادهم وأهمل انتقادهم وصار منصب الشهادة يسأله وسؤاله من الحرام لا من الحلال ، وأصبح وهو يورث عن الآباء والأولاد والوراثة تكون في الأموال ، والشاهد دليل يمشي القضاء على منهاجه ، ويستقيم باستقامته ويعوّج باعوجاجه ؛ فانف كلّ من شانتك (٣) منه شائنة ، أو رابتك منه رائبة ، وعليك منهم بمن تخلّق بخلق الحياء والورع ، وأخذ بالقول الّذي على مثلها فاشهد أو فدع.
وأمّا الوصيّة الرابعة فإنّها مقصورة على كاتب الحكم الّذي إليه الإيراد والإصدار ، وهو المهيمن على النقض والإمرار ؛ وينبغي أن يكون عارفا بالحلى والوسوم والحدود والرّسوم ، وأن يكون فقيها في البيوع والمعاملات ، والدعاوى والبيّنات ؛ ومن أدنى صفاته أن يكون قلمه سائحا ، وخطّه واضحا ؛ وإذا استكمل ذلك فلا يستصلح حتّى يكون العفاف شعاره ، والأمانة عياره ، والحفظ والعلم سوره وسواره ، وهذا الرّجل إن خلوت به فامض يده فيما يقول ويفعل ، واستتمّ إليه استتامة الواثق الذي لا يخجل ؛ والله يختار لنا ذلك فيما بيّناه من المراشد ، ويجعل أقوالنا ثمارا يانعة إذا كانت الأقوال من الحصائد.
__________________
(١) الحبالة : المصيدة.
(٢) الرشى : مفردها الرشوة.
(٣) شان : عاب.