واعلم أنّا غدا وإيّاك بين يدي الحكم العدل الّذي تكفّ لديه الألسنة عن خطابها ، وتستنطق الجوارح بالشهادة على أربابها ، ولا ينجو منه حينئذ إلا من أتى بقلب سليم ؛ وأشفق من قول نبيه : «لا تأمّرنّ على اثنين ولا تولّين مال يتيم».
والله يأخذ بناصية كلّ منّا إليه ، ويخرجه من هذه الدّنيا كفافا لا له ولا عليه ، والسلام.
فولي عماد الدين بن عبد الرحمن بن عبد العلي بن السكريّ ـ مصنف الحواشي على الوسيط ـ ثمّ صرف في المحرم سنة ثلاث عشرة ، لأنّه طلب منه قرض شيء من مال الأيتام فامتنع.
قال القاضي تاج الدين السبكي في الطبقات الكبرى ؛ وبلغني أنّه كان في زمانه رجل صالح يقال له الشيخ عبد الرحمن النويريّ ، وكان كثير المكاشفات والحكم بها ، وكان القاضي عماد الدين ينكر عليه ؛ فبلغ القاضي أنّه أكثر الحكم بالمكاشفات ، فعزله ، فقال النويريّ : عزلته وذرّيته. فكان كما قال.
وبلغني عن الظّهير التّزمنتيّ شيخ ابن الرفعة ، قال : زرت قبر القاضي عماد الدين بعد موته بأيّام ، فوجدت عنده فقيرا ، فقال لي : يا فقيه ، يحشر العلماء وعلى رأس كلّ واحد منهم لواء ، وهذا القاضي عماد الدين منهم ؛ وطلبته فلم أره.
وولي بعده شرف الدين محمد (١) بن عبد الله الإسكندرانيّ المعروف بابن عين الدّولة قضاء القضاة بالقاهرة والوجه البحري ، وتاج الدين عبد السلام بن الخرّاط مصر والوجه القبلي ، ثمّ صرف ابن الخرّاط في شعبان سنة سبع عشرة وستّمائة ، وجمع العملان لابن عين الدولة.
ثم صرف ابن عين الدولة عن مصر والوجه القبلي بالقاضي بدر الدين (٢) يوسف ابن الحسن السّنجاريّ في ربيع الآخر سنة تسع وثلاثين وبقي قاضيا بالقاهرة والوجه البحريّ فقط.
وفي زمنه اتّفقت الحكاية التي اتفقت في زمان الإمام محمد بن جرير الطبريّ ؛ وهو أنّ امرأة كادت زوجها ، فقالت : إن كنت تحبّني فاحلف بطلاقي ثلاثا : مهما قلت لك تقول مثله في ذا المجلس ؛ فحلف ، فقالت له : أنت طالق ثلاثا ، قل كما قلت لك.
__________________
(١) شذرات الذهب : ٥ / ١٨١.
(٢) شذرات الذهب : ٥ / ٣١٣.