فأمسك ، وترافعا إلى ابن عين الدولة ، فقال : خذ بعقصتها (١) وقل : أنت طالق ثلاثا إن طلّقتك.
قال ابن السبكي : وكأنّهما ارتفعا إليه في المجلس ؛ وكان بمصر مغنّية تدعى عجيبة ، قد أولع بها الملك الكامل ، فكانت تحضر إليه ليلا وتغنّيه بالجنك (٢) على الدّفّ في مجلس بحضرة ابن شيخ الشيوخ وغيره. ثمّ اتّفقت قضيّة شهد فيها الكامل عند ابن عين الدولة ، وهو في دست ملكه ، فقال ابن عين الدولة : السلطان يأمر ولا يشهد ، فأعاد عليه القول ، فلمّا زاد الأمر ، وفهم السلطان أنّه لا يقبل شهادته ، قال : أنا أشهد ، تقبلني أم لا؟ فقال القاضي : لا ما أقبلك ، وكيف أقبلك وعجيبة تطلع إليك بجنكها كلّ ليلة؟! وتنزل ثاني يوم بكرة وهي تتمايل سكرى على أيدي الجواري ، وينزل ابن الشيخ من عندك! أيحسن ما نزلت ، فقال له السلطان : يا كيواج ـ وهي كلمة شتم بالفارسية ـ فقال : ما في الشرع يا كيواج ، اشهدوا عليّ أني قد عزلت نفسي ونهض. فقام ابن الشيخ إلى الملك الكامل ، وقال : المصلحة إعادته لئلا يقال : لأيّ شيء عزل القاضي نفسه؟ وتطير الأخبار إلى بغداد ، ويشيع أمر عجيبة! ونهض إلى القاضي ، وترضّاه ، وعاد إلى القضاء. ومن شعره
وليت القضاء وليت القضا |
|
ء لم يك شيئا تولّيته |
وقد ساقني للقضاء القضا |
|
ء وما كنت قدما تمنّيته (٣) |
وأقام إلى أن توفّي في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وستّمائة.
فولي بعده قضاء القاهرة بدر الدين يوسف السّنجاريّ.
وولي الشيخ عزّ الدين (٤) بن عبد السلام قضاء مصر والوجه القبلي ، وكان قدم في هذه السنة من دمشق بسبب أنّ سلطانها الصالح إسماعيل استعان بالفرنج وأعطاهم مدينة صيدا وقلعة الشقيف. فأنكر عليه الشيخ عزّ الدين ، وترك الدّعاء له في الخطبة ، وساعده في ذلك الشّيخ جمال الدين أبو عمرو بن الحاجب المالكيّ ، فغضب السلطان منهما ، فخرجا إلى الديار المصرية فأرسل السلطان إلى الشيخ عزّ الدين ؛ وهو في الطريق قاصدا يتلطّف به في العود إلى دمشق ، فاجتمع به ولاينه ، وقال له : ما نريد منك شيئا إلّا أن تنكسر للسلطان ، وتقبّل يده لا غير. فقال الشيخ له : يا مسكين ، ما أرضاه يقبّل يدي فضلا عن أن أقبّل يده! يا قوم ، أنتم في واد وأنا في واد! والحمد لله الّذي عافانا ممّا
__________________
(١) العقصة : ضفيرة الشعر.
(٢) الجنك : آلة طرب (فارسية).
(٣) شذرات الذهب : ٥ / ١٨٢.
(٤) شذرات الذهب : ٥ / ٣٠١.