ابتلاكم. فلمّا وصل إلى مصر ، فاتّفق أن أستاداره فخر الدين عثمان بن شيخ الشيوخ ـ وهو الذي كان إليه أمر المملكة ـ عمد إلى مسجد بمصر ، فعمل على ظهره بناء طبلخاناه ، وبقيت تضرب هناك ، فلمّا ثبت هذا عند الشيخ عزّ الدين حكم بهدم ذلك البناء ، وأسقط فخر الدين ، وعزل نفسه من القضاء ، ولم تسقط بذلك منزلة الشّيخ عند السلطان ، وظنّ فخر الدّين وغيره أنّ هذا الحكم لا يتأثّر به في الخارج ، فاتّفق أن جهّز السلطان رسولا من عنده إلى الخليفة المستعصم ببغداد ، فلمّا وصل الرسول إلى الديوان ، ووقف بين يدي الخليفة ، وأدّى الرسالة له ، خرج إليه ، وسأله : هل سمعت هذه الرسالة من السلطان؟ فقال : لا ، ولكن حمّلنيها عن السلطان فخر الدين بن شيخ الشيوخ أستاداره ، فقال الخليفة : إن المذكور أسقطه ابن عبد السلام ، فنحن لا نقبل روايته. فرجع الرّسول إلى السلطان حتّى شافهه بالرسالة ، ثمّ عاد إلى بغداد ، وأدّاها. ولما تولّى الشيخ عزّ الدين القضاء تصدّى لبيع أمراء الدولة من الأتراك ، وذكر أنّه لم يثبت عنده أنّهم أحرار ، وأنّ حكم الرّقّ مستصحب عليهم لبيت مال المسلمين ، فبلغهم ذلك ، فعظم الخطب عندهم ، واجترم الأمر ، والشيخ مصمّم لا يصحّح لهم بيعا ولا شراء ولا نكاحا ، وتعطّلت مصالحهم لذلك ؛ وكان من جملتهم نائب السلطنة ، فاستثار غضبا ، فاجتمعوا وأرسلوا إليه ، فقال : نعقد لكم مجلسا ، وننادي عليكم لبيت مال المسلمين ، فرفعوا الأمر إلى السلطان ، فبعث إليه فلم يرجع ، فأرسل إليه نائب السلطنة بالملاطفة فلم يفد فيه ، فانزعج النائب ، وقال : كيف ينادي علينا هذا الشيخ ، ويبيعنا ونحن ملوك الأرض؟! والله لأضربنّه بسيفي هذا ، فركب بنفسه في جماعته ، وجاء إلى بيت الشيخ والسّيف مسلول في يده ، فطرق الباب ، فخرج ولد الشيخ ، فرأى من نائب السلطنة ما رأى ، وشرح له الحال ، فما اكترث لذلك ، وقال : يا ولدي ، أبوك أقلّ من أن يقتل في سبيل الله ، ثمّ خرج. فحين وقع بصره على النائب ، يبست يد النائب ، وسقط السيف منها ، وأرعدت مفاصله ، فبكى وسأل الشيخ أن يدعو له ، وقال : يا سيّدي إيش تعمل؟ قال : أنادي عليكم وأبيعكم ، قال : ففيم تصرف ثمننا؟ قال : في مصالح المسلمين ، قال : من يقبضه؟ قال : أنا.
فتمّ ما أراد ونادى على الأمراء واحدا واحدا ، وغالى في ثمنهم ولم يبعهم إلّا بالثمن الوافي ، وقبضه وصرفه في وجوه الخير.
واتّفق له في ولايته القضاء عجائب وغرائب ، وفيه يقول الأديب أبو الحسين يحيى ابن عبد العزيز الجزّار :
سار عبد العزيز في الحكم سيرا |
|
لم يسره سوى ابن عبد العزيز |