وفي سنة ثمان وتسعين هدم الحاكم الكنائس (١) التي ببلاد مصر ، ونادى : من لم يسلم وإلّا فليخرج من مملكتي ، أو يلتزم بما أمر ، ثمّ أمر بتعليق صلبان كبار على صدور النصارى ، وزن الصّليب أربعة أرطال بالمصريّ ، وبتعليق خشبة على تمثال رأس عجل وزنها ستة أرطال في عنق اليهود. وفي هذه السنة كان سيل عظيم حتّى غرق الخندق ، ذكره ابن المتوّج.
وفي سنة تسع وتسعين انفرد المصريون بالحجّ (٢).
وفي سنة أربعمائة بنى الحاكم دارا للعلم وفرشها ، ونقل إليها الكتب (٣) العظيمة مما يتعلّق بالسنّة ، وأجلس فيها الفقهاء والمحدّثين ، وأطلق قراءة فضائل الصحابة ، وأطلق صلاة الضّحى والتراويح ، وبطل الأذان بحيّ على خير العمل ، فكثر الدعاء له ، ثمّ بعد ثلاث سنين هدم الدار ، وقتل خلقا ممّن كان بها من الفقهاء والمحدّثين وأهل الخير والديانة ، ومنع صلاة الضّحى والتراويح.
وفي سنة إحدى وأربعمائة انفرد المصريون (٤) بالحجّ.
وفي سنة اثنتين وأربعمائة كتب محضر ببغداد (٥) في نسب خلفاء مصر الّذين يزعمون أنّهم فاطميّون وليسوا كذلك ، وكتب فيه جماعة من العلماء والقضاة والفقهاء والأشراف والأماثل والمعدّلين والصالحين ، شهدوا جميعا أنّ النّاجم بمصر وهو منصور بن نزار المتلقّب بالحاكم ـ حكم الله عليه بالبوار والدمار والخزي والنّكال والاستئصال ـ ابن معدّ ابن إسماعيل بن عبد الرحمن بن سعيد ـ لا أسعده الله ـ فإنه لمّا صار إلى المغرب تسمّى بعبيد الله ، وتلقّب بالمهديّ ، ومن تقدّم من سلفه من الأرجاس الأنجاس ـ عليه وعليهم لعنة الله ولعنة اللاعنين ـ أدعياء خوارج ، ولا نسب لهم في ولد عليّ بن أبي طالب ، ولا يتعلّقون منه بسبب ، وأنّه منزّه عن باطلهم ، وأنّ الذي ادّعوه من الانتساب إليه باطل وزور ، وأنهم لا يعلمون أنّ أحدا من أهل بيت الطالبيين توقّف عن إطلاق القول في هؤلاء الخوارج أنهم أدعياء ، وقد كان هذا الإنكار لباطلهم شائعا في الحرمين ، وفي أوّل أمرهم بالمغرب منتشرا انتشارا يمنع من أن يدلّس على أحد كذبهم ، أو يذهب وهم إلى تصديقهم ، وأنّ هذا النّاجم بمصر هو وسلفه كفّار وفسّاق فجّار وملحدون زنادقة ، معطّلون وللإسلام جاحدون ، ولمذهب الثنويّة والمجوسية معتقدون ، قد عطّلوا الحدود
__________________
(١) النجوم الزاهرة : ٤ / ٢١٩.
(٢) النجوم الزاهرة : ٤ / ٢٢١.
(٣) النجوم الزاهرة : ٤ / ٢٢٣.
(٤) النجوم الزاهرة : ٤ / ٢٢٨.
(٥) النجوم الزاهرة : ٤ / ٢٢٩.