واستقضى المتقي لله على مدينة المنصور في جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ، أبا طاهر محمّد بن أحمد بن عبد الله بن نصر ، وله أبوّة في القضاء شديد المذهب متوسط الفقه على مذهب مالك ، وكان له مجلس يجتمع إليه المخالفون ويتناظرون بحضرته ، فكان يتوسط بينهم ويكلمهم كلاما سديدا ، ويجري معهم فيما يجرون فيه على مذهب محمود وطريقة حسنة ، ثم صرف أبو طاهر بعد أربعة أشهر من هذه السنة في شوال ، ثم استقضى المستكفي أبا الطّاهر على الشرقية في صفر سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة. فكانت ولايته أقل من خمسة أشهر.
حدّثني محمّد بن على الصوري. قال : توفى أبو الطّاهر القاضي سنة سبع وستين وثلاثمائة. حدّثني بذلك جماعة من شيوخنا المصريين. قال : ومولده في سنة تسع وسبعين ومائتين ، وكان قاضيا بمصر ثم استعفى من القضاء قبل موته بيسير ، وبمصر مات ، وكان فاضلا ذكيا متقنا لما حدّث به.
سمع : محمّد بن عبد الله السّعدي ، وجماعة من أصحاب على بن حجر ، وأكثر عن أبي بكر أحمد بن محمّد بن عمر المنكدري.
وكان أحد أئمة المسلمين ، حافظا لمذهب الشّافعيّ ، حسن النظر مشهورا بالزهد والورع ، ورد بغداد وحدّث بها فسمع منه وروى عنه : أبو الحسن الدّارقطنيّ ، ومحمّد بن أحمد بن القاسم المحامليّ. وخرج أبو زيد إلى مكة فجاور بها ، وحدّث هناك بكتاب صحيح البخاريّ عن محمّد بن يوسف الفربري. وأبو زيد أجل من روى ذلك الكتاب.
أخبرني محمّد بن أحمد بن يعقوب عن محمّد بن عبد الله بن نعيم النّيسابوريّ قال سمعت أبا بكر البزّار يقول : عادلت الفقيه أبا زيد من نيسابور إلى مكة ، فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة.
قال ابن نعيم : توفى أبو زيد الفقيه بمرو يوم الخميس الثالث عشر من رجب سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة.
__________________
(١) ١٩٧ ـ انظر : المنتظم ، لابن الجوزي ١٤ / ٢٨٧.