دخل الخطيب مكة حاجا ، وسجل وجوده فيها في ٨ ذى الحجة سنة ٤٤٥ ه ، وقد التقى فيها ببعض الشيوخ الذين روى عنهم في «تاريخ بغداد».
عاد الخطيب إلى بغداد بعد غياب طويل امتد أحد عشر عاما ، فوصلها في ذى الحجة من سنة ٤٦٢ ه واستقر في حجرة بباب المراتب في درب السلسلة بجوار المدرسة النظامية.
كان الخطيب مهيبا وقورا نبيلا خطيرا ، حسن الخط ، كثير الشكل والضبط ، فصيح القراءة ، جهوري الصوت ، منصرفا إلى العلم لا يحفل بالدنيا ، ولا يحرص على التقرب من أهل السلطان والمال ، لكن ذلك لم يمنعه من أن يكون حسن اللباس والهيئة ، يجمع من المال ما يغنيه عن الحاجة إلى الناس ، كما وصف الخطيب بالمروءة والكرم وعزة النفس والتواضع ، لكنه لم يسلم من اتهام خصومه له وتشنيعهم عليه ، وهذا مبعث تلك الروايات التي تحاول تشويه سمعته ، فترميه مرة بالسكر ، وأخرى بالتغزل بالغلمان بل وحبه لهم ، وتنسب إليه أشعار قالها في ذلك ، ومعظمها لا ينسجم مع طبيعة شخصيته وثقافته ، كما أن رواة بعضها لا يوثق بهم.
اهتم الخطيب بالحديث وعلومه ، والفقه وأصوله ، والأدب والتاريخ والأخبار ، لكن أكثر اهتمامه كان في نطاق الحديث وعلومه (٢).
وكان الخطيب على مذهب الأشعريّ في الأصول ، وللأشعرى قولان في الصفات : أشهرهما التأويل ، وثانيهما ـ وهو المتأخر ـ عدم التأويل والتعطيل ، وهو مذهب السلف ومذهب الإمام أحمد وأهل الحديث.
وقد صرح الخطيب بأنه على مذهب أهل الحديث في الصفات ، وهو القول الأخير للأشعرى أيضا.
__________________
(١) موارد الخطيب ، ص ٥٠.
(٢) موارد الخطيب ، ص ٤٧ ، ٤٨.