فعلت ما لا يطلب رسولكم بمثله ، لأن التكفير من رسم شريعتنا. ووقفا ساعة ؛ وكانا شابّا وشيخا ، فالشاب الرسول المتقدم ؛ والشيخ الترجمان ، وقد كان ملك الروم عقد الأمر في الرسالة للشيخ متى حدث بالشاب حدث الموت. وناوله المقتدر بالله من يده جواب ملك الروم ، وكان ضخما كبيرا فتناوله وقبّله إعظاما له ، وأخرجا من باب الخاصة إلى دجلة ، وأقعدا وسائر أصحابهما في شذا من الشذوات الخاصة وصاعدا إلى حيث أنزلا فيه من الدار المعروفة بصاعد ، وحمل إليهما خمسون بدرة ورقا في كل بدرة خمسة آلاف درهم ، وخلع على أبي عمر عدي الخلع السلطانية ، وحمل على فرس وركب على الظهر ، وكان ذلك في سنة خمس وثلاثمائة.
***
ذكر دار المملكة التي بأعلى المخرم
حدّثني هلال بن المحسن : قال : كانت دار المملكة التي بأعلى المخرّم ، محاذية الفرضة قديما لسبكتكين غلام معزّ الدولة فنقض عضد الدولة أكثرها ، ولم يستبق إلا البيت الستّيني الذي هو في وسط أروقة من ورائها أروقة في أطرافها قباب معقودة ، وتنفتح أبوابه الغربية إلى دجلة وأبوابه الشرقية إلى صحن من خلفه بستان ونخل وشجر. وكان عضد الدولة جعل الدار التي هذا البيت فيها دار العامة ؛ والبيت برسم جلوس الوزراء وما يتصل به من الأروقة والقباب مواضع الدواوين ، والصحن مناما لديلم النوبة في ليالي الصيف. قال هلال : وهذه الدار وما تحتوي عليه من البيت المذكور والأروقة خراب. ولقد شاهدت مجلس الوزراء في ذلك ومحفل من يقصدهم ويحضرهم ، وقد جعله جلال الدولة إصطبلا أقام فيه دوابّه وسوّاسه ، وأما ما بناه عضد الدولة وولده بعده في هذه الدار فهو متماسك على تشعثه.
قال الشيخ أبو بكر : ولما ورد طغرلبك الغزّي بغداد واستولى عليها عمّر هذه الدار وجدد كثيرا ـ مما كان وهي منها ـ في سنة ثماني وأربعين وأربعمائة. فمكثت كذلك إلى سنة خمسين وأربعمائة ، ثم أحرقت وسلب أكثر آلاتها ، ثم عمّرت بعد وأعيد ما كان أخذ منها.
حدّثني القاضي أبو القاسم على بن المحسن التّنوخيّ قال سمعت أبي يقول : ما شيت الملك عضد الدولة في دار المملكة بالمخرّم التي كانت دار سبكتكين حاجب معز الدولة من قبل ، وهو يتأمل ما عمل وهدم منها. وقد كان أراد أن يترك في الميدان