وللشجرة ثمانية عشر غصنا لكل غصن منها شاحنات كثيرة عليها الطيور والعصافير من كل نوع مذهبة ومفضّضة ، وأكثر قضبان الشجرة فضة ، وبعضها مذهب. وهي تتمايل في أوقات ولها ورق مختلف الألوان يتحرك كما تحرك الريح ورق الشجر ، وكل من هذه الطيور يصفر ويهدر ، وفي جانب الدار بمنة البركة تماثيل خمسة عشر فارسا على خمسة عشر فرسا قد ألبسوا الديباج وغيره ، وفي أيديهم مطارد على رماح يدورون على خط واحد في النارود خببا وتقريبا [فيظن أن كل واحد منهم إلى صاحبه قاصد (١)]. وفي الجانب الأيسر مثل ذلك. ثم أدخلوا إلى القصر المعروف بالفردوس ، فكان فيه من الفرش والآلات ما لا يحصى ولا يحصر كثرة ، وفي دهاليز الفردوس عشرة آلاف جوشن مذهبة معلّقة. ثم أخرجوا منه إلى ممر طوله ثلاثمائة ذراع ، قد علق من جانبيه نحو من عشرة آلاف درقة وخوذة وبيضة ودرع وزردية وجعبة محلاة وقسيّ ، وقد أقيم نحو ألفي خادم بيضا وسودا صفّين يمنة ويسرة. ثم أخرجوا ـ بعد أن طيف بهم ثلاثة وعشرين قصرا ـ إلى الصحن التسعيني وفيه الغلمان الحجرية ، بالسلاح الكامل ، والبزة الحسنة ، والهيئة الرائعة ، وفي أيديهم الشروخ والطبرزينات والأعمدة ، ثم مروا بمصافّ من علية السواد من خلفاء الحجاب الجند والرجالة وأصاغر القواد ، ودخلوا دار السّلام. وكانت عدة كثير من الخدم والصقالبة في سائر القصور ، يسقون الناس الماء المبرد بالثلج والأشربة والفقاع ، ومنهم من كان يطوف مع الرسل ، فلطول المشي بهم جلسوا واستراحوا في سبعة مواضع واستسقوا الماء فسقوا ، وكان أبو عمر عدي بن أحمد بن عبد الباقي الطرسوسي : صاحب السلطان ، ورئيس الثغور الشامية معهم في كل ذلك ، وعليه قباء أسود وسيف ومنطقة ، ووصلوا إلى حضرة المقتدر بالله وهو جالس في التاج مما يلي دجلة ، بعد أن لبّس بالثياب الديبقية المطرزة بالذهب على سرير آبنوس قد فرش بالديبقي المطرز بالذهب ، وعلى رأسه الطويلة ، ومن يمنة السرير تسعة عقود مثل السّبح معلقة ، ومن يسرته تسعة أخرى من أفخر الجواهر وأعظمها قيمة غالبة الضّوء على ضوء النهار ، وبين يديه خمسة من ولده ثلاثة يمنة واثنان ميسرة ، ومثّل الرسول وترجمانه بين يدي المقتدر بالله ، فكفر له. وقال الرسول : لمونس الخادم ونصر القشوري ـ وكانا يترجمان عن المقتدر ـ : لو لا أني لا آمن أن يطالب صاحبكم بتقبيل البساط لقبّلته ، ولكنني
__________________
(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل ، وأضيف من مطبوعة باريس.