كان فى معيتهم جند مختارون أمثال هؤلاء عند دخولهم المدينة. لقد خرج كل الآهلين ، مصطفين على جنبات الطرق ، والشوارع لإستقبالهم ، والحفاوة بهم ؛ فنحرت الآضاحى ، أما سيدات المدينة ، اللائى قد إصطففن فى النوافذ ، وقد إرتدين الفساتين الحريرية ، ما أن رأين موكب الباشا ، حتى أطلقن زغاريدهن ، التى صدح بها المكان ، واهتزت الأرض تحت أقدام الموكب.
وكان الباشا هو الآخر ، قد بدا فى أبهى صورة ؛ حيث تدثر بفراء السمور ، الثمين ، ووضع على رأسه ؛ العمامة السليمية (١) ، ومن حوله شطاره (٢) ؛ وقد إرتدوا ملابسهم العسكرية ، وخوذاتهم المذهبة ، ومن وراءهم محفل مهيب ؛ من الفرسان ، وموسيقات الجيش الهمايونى ، المكون من ثمان أطقم ، يدقون طبولهم ، ويعزفون موسيقاهم ، التى تعبق المكان بالحماس الدينى ، والروحانى الجميل. وسار الموكب حتى استقر الباشا فى أوطاقه (٣).
__________________
ولم يتمكن سنان باشا من التصدى لهجمات البدو والآعراب فى بوادى أرض الحجاز ، وطرق القوافل مما أدى إلى عزلة فى السنوات التالية.
(٢) رضوان باشا : واحد من القادة العسكريين ، والولاة الذين قادوا قافلة الحج قبل سنة ١٠٨١ ه ، ولكن لم يحالفهم التوفيق مما أدى إلى عزله.
(٣) طاوشان سليمان باشا : كان واحد من الولاة ، والقادة ، تم تكليفه بقيادة القافلة التى تصاحب موكب الحج ، لم ينجح من صد هجمات البدو ، فتم عزله.
(١) العمامة السليمية : غطاء رأس ينسب إلي السلطان سليم الأول العثمانى ، وتسمى «سيليمى» وتصنع من أجود أنواع الأقمشة ، ويصل طولها إلى ٦٥ سم ، وآعلاها أكثر اتساعا ومستويا ، ويعلق عليها شريط من التل. وكان يرتديها السلاطين ، وقوات الانكشارية) «المترجم»
(٢) الشطار : جمع «شاطر» Satir مصطلح يطلق على بعض من القوات التى تكون فى معية السلطان ، ويكلفون ببعض المهام المهمة ، ويسيرون حول السلطان فى كوكبة ظريفة لإضفاء البهجة ، والمهابة على موكب السلطان. وكان منهم من يكون فى خدمة الصدر الأعظم ، أو الوزراء. ويعتبرون من تشكيلات السراى. ويدخلون ضمن قوات البيادة أى المشاة. وكانت لهم معسكراتهم الخاصة بهم ، وكانت قد ألغيت ولكن فى محرم ١٠٧٧ ه ـ يوليو سنة ١٦٦٦ م أعيد تكوينها. وكان رئيسهم يسمى «شاطر باشى». ولهم كتخدا أى معتمد ، ملابسهم مزركشة ، وأحزمتهم مرصعة.
وكان السلطان محمد الرابع يتوجه إلى صلاة الجمعة وسط كوكبة منهم فى كل أسبوع. وكانوا يضعون على رؤوسهم تيجان تشبه الكوكب المرصع بالذهب. وفى آياديهم اسلحتهم التي تشبه البلط.
كان الصدر الأعظم ، والوزراء يستخدمونهم لفرض الهدوء والسكينة بين الآهالى ، وكانوا يقومون بما يشبه أعمال قوات الضبطية.
كما كان يستخدمهم بعض رجالات الدولة ، والوجهاء كنوع من المظهرية .. بحيث يسيرون عن يمينه وعن يساره وهم فى كامل أبهتهم. «المترجم»
(٣) الأوطاق : اوطاغ مصطلح فنى يطلق على نوع من الخيام المخصصة للسلطان والصدر الأعظم ، والوزراء ، وكبار