الحرمين ، والقرب ـ دائما في نمط الحياة ـ من وسائل التقارب في الأفكار ، فماذا كان أثر هذا التقارب في الأفكار؟!
والجواب : لقد نبغ فى القرن الثالث والرابع فى اليمن علامة جليل لم يفارق تلك البلاد. ومع ذلك فقد بلغت مؤلفاته الأندلس في حياته ، وهو الحسن بن أحمد الهمداني (١) ...
ففي مؤلفاته إشارات ألقت الضوء على مالمكة المكرمة من أثر فى الحياة الثقافية ، فقد روى الهمداني «السيرة النبوية» التي ألفها محمد بن اسحاق عن عالم مكّي هو الخضر بن محمد بن داود ، والمعروف عند المشارقة رواية السيرة بطريق عبد الملك بن هشام عن البكائى عن المؤلف وعند المغاربة عن ابن بكير ، ولكن طريقة المكيين وروايتهم السيرة عن الخضر لم يذكرها سوى الهمداني فيما علمت ، مع أن لهم رواية أخرى أو روايات أخرى نجد إشارات عنها في كتابي الأزرقي والفاكهي عن مكة.
وهنا جانب عظيم الأهمية فى تاريخ نشر الثقافة الاسلامية وحفظها ، لم أر أحدا من الباحثين تعرض له وهو أن جزءا مهما من تراثنا لم نعرفه ولم يصل إلينا إلا بطريق علماء المغرب فقد قاموا بنقله إلى بلادهم بعد تلقيه أثناء قدومهم إلى مكة ، وتولوا حفظه بالرواية والنقل ، واستفادوا منه ، ثم عاد إلينا بطريق ما خلفوه لنا فى تراث ثقافى ضخم ، وحسبي الإشارة إلى ثلاثة أعلام من علماء الجزيرة عرفهم علماء الأندلس ، ونقلوا مؤلفاتهم. ولم يعرفهم علماء المشرق إلا بطريق أولئك وهم محمد بن اسحاق الفاكهي ، مؤرخ مكة ، وأبو على هارون بن زكريا الهجرى (٢) ، والحسن بن أحمد الهمداني. مؤرخ اليمن وعالمه.
ولقد برّز علماء المغرب على غيرهم فى تدوين الرحلات ، ولعل هذا يرجع إلى بعد ذلك القطر عن حواضر العلم ومراكز الثقافة في الحجاز والشام والعراق في العصور الأولى ثم مصر و (اسطنبول) في العهود المتأخرة ، ففي هذه الحواضر والمراكز نشأت
__________________
(١) انظر ترجمته في مقدمة كتاب «صفة جزيرة العرب» (دار اليمامة).
(٢) أنظر (العرب) ص ٨٤٣ س ٨.
(٣) أنظر (أبو علي الهجري) ص ١٠ ـ ٦٩ ـ ٩٦.
(٤) أنظر ص ٢١ مقدمة «صفة جزيرة العرب» نشر (دار اليمامة).