وما أن يفرغ جميع الحجاج من الطواف والسعي بين الصفا والمروة حتى يمكثوا بعض الوقت فى واحد من هذه الدكاكين التى يرحب أصحابها بهم قائلين «أهلا .. وسهلا ..» ويعظمونهم .. ولا بد أن ينثروا عليهم من ماء الورد ، والعطر ، والبخور المائي .. ولا بد أن يشعلوا الكثير والعديد من البخور ، والعنبر .. كما أنه من المعتاد أن ينثروا ماء الورد على الغادين والرائحين فى الطريق العام أمام دكاكينهم .. وذلك لأن أمر معاش أهل مكة منوط بالحجاج .. كما أن حضرة جناب الشريف قد أصدر تعليماته ، وتنبيهاته بحسن رعاية الحجاج .. لكل هذا يحرص أهل مكة على إرضاء الحجاج ، وجلب خاطرهم. خاصة وأن عددا كبيرا من الحجاج كان قد قتل داخل الحرم الشريف .. كما حدث نهب وإغارة على متاجر بعض التجار .. أما هذه السنة .. وفى داخل المدينة كان كل الناس يخرجون المشروبات ، والمأكولات تعبيرا عن المحبة ، وعرضا للبيع ؛ وكان البيع والشراء ميسرا. كما أن كل يوم ؛ كانت تطبخ فى المطبخ الخليلى أنواع متعددة من الحلويات ؛ كالمهلبيات ، والزولابيات ، وسكر النبات والحلويات الحموية ، وألوان متعددة من الأطعمة النفيسة وكانت تقدم للغريب ، وكل الغرباء لدفع الجوع عنهم .. كما كانت تقدم أنواع معقولة من الأشربة المعروفة كشربات الورد والليمون ، والبنفسج ، والفراولة ، والتوت ، والحمص ، والصندل ، وكان الشربات يقدم من كل المنازل ، وكل الدكاكين لكل من يريد أن يشرب دون أن يسأل عن درهم أو دينار. وهكذا .. فإن آلاف آلاف المسلمين الذين جاءوا ليؤدوا هذه الفريضة تحت هذه القبة الزرقاء طاعة ، وطواعية منذ آمد بعيد ، وهم يسعدون بهذه التلبية .. وتطيب نفوسهم ويشعرون وكأنهم فى الفردوس الموعود.
وإذا كان الحبيب النبى قد كرّمه الله بالرسالة ، وهو فى الأربعين من عمره ، فإن من بواعث المحبة لحضرته ، أن الله سبحانه لم يجعل الحج مطلقا ، بل ربطه بالقدرة ، والإستطاعة (.. مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(١)
وبالسلام أتممنا نسك الطواف والزيارة ..
* * *
__________________
(١) سورة آل عمران : آية ٩٧.