الفكرة ، يقلّب كفّه ، ويخاطب نفسه ، يعجبه من اللباس ما قصر ، ومن الطعام ما خشن ، كان فينا كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ، وينبأنا إذا استنبأناه ، ونحن مع تقريبه إيّانا ، وقربنا منه ، لا نكاد نكلّمه لهيبته ، ولا نبتدئه لعظمته ، يعظّم أهل الدين ، ويحبّ المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه ، وقد أرخى اللّيل سدوله وغارت نجومه ، وقد مثل في محرابه ، قابضا على لحيته ، يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ، ويقول : يا دنيا غري غيري ، أأليّ تعرضت؟ أمّ إليّ تشوّقت؟
هيهات .. هيهات ، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك ، فعمرك قصير ، وخطرك حقير ، آه من قلة الزاد ، وبعد السفر ، ووحشة الطريق) (١).
فبكى معاوية ، وقال : رحم الله أبا الحسن فلقد كان كذلك. فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ فقال : (حزن من ذبح واحدها في حجرها) (٢).
وأما شجاعته وحروبه : فقد اعترف بها الأعداء قبل الأصدقاء ، وفاقت شجاعته كلّ ما يتصوّره الإنسان ، ومبيته عليهالسلام على فراش النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ليلة الهجرة ، كانت منتهى الشجاعة والتضحية ، حيث أجمعت قبائل قريش على قتل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فانتخبت فارسا من كلّ قبيلة لكيلا يتمكّن بنو هاشم من المطالبة بدمه (٣).
ولقد شارك" عليهالسلام" مع النبيّ في جميع حروبه مع المشركين ، ما عدا غزوة تبوك ، فقد استخلفه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في المدينة ، ولمّا استفسر من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن سبب إبقائه في المدينة قال الرسول الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم : (ألا
__________________
(١) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٢ / ٤٢١ وخالد محمّد خالد ـ في رحاب عليّ. ص ٢٣٨.
(٢) أبو عليّ القالي ـ أمالي القالي. ج ٢ / ١٤٧.
(٣) المسعودي ـ مروج الذهب. ج ٢ / ٢٧٩.