عليها فذهب إلى بيت عتيبة بن النهّاش العجلي ، وطلب منه معونة (عطاء) ، فقال له عتيبة : (ما أنا بعامل فأعطيك ولا في مالي زيادة عن قومي فأعود به عليك). فخرج (الحطيئة) غاضبا ، فقال له أصحابه (أي أصحاب عتيبة) لقد عرّضتنا ونفسك للشرّ ، فقال عتيبة : وكيف ذاك؟ فقالوا له : إنّه (الحطيئة) وسوف يهجونا أشدّ هجاء ، فطلب منهم أن يأتوا به ، وعند ما رجع الحطيئة قال له عتيبة : لم كتمتنا نفسك؟ كأنّك تريد الحجّة علينا ، أجلس يا حطيئة ، فلك منا ما يسرك (١). ثمّ سأله عتيبة وقال له : من أشعر الناس؟ قال الحطيئة الّذي يقول :
ومن يجعل المعروف من دون عرضة |
|
يفره ومن لا يتق الشتم يشتم |
يعني : زهير بن أبي سلمى. فقال عتيبة : ثمّ من يأتي بعده؟ فقال الحطيئة : الّذي يقول :
من يسأل الناس يحرموه |
|
وسائل الله لا يخيب |
يقصد به : عبيد بن الأبرص. فقال عتيبة : ثمّ من يأتي بعدهما؟ فقال الحطيئة : (أنا).
عندها أمر عتيبة أحد أفراد حاشيته بأن يأخذ الحطيئة إلى السوق ويشتري له كل ما يطلبه ، فاشترى الحطيئة : الأكسية (٢) والكرابيس (٣) الغلاظ ، والأقبية (٤) ولم يشتر غيرها. فقيل له : إنّ عتيبة قد أمر بشراء الكثير لك ، فقال الحطيئة : (لا حاجة في أن يكون له على قومي يد أعظم من هذه).
ثم عاد الحطيئة ، وكان عتيبة جالسا ، فقال له عتيبة : (هذا مقام العائذ
__________________
(١) ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج ١ / ٢٨٣.
(٢) الأكسية : الملابس الخشنة (لرفيعة).
(٣) الكرابيس : ثياب من القطن (بيضاء) خشنة الملبس.
(٤) الأقبية : قماش من القطن (وهذه كلها رخيصة الثمن).