الملك حتّى قرب من العراق ، وجاء مصعب بجيش أيضا حتّى التقى الجيشان في (مسكن) (١). وكان عبد الملك ، قد كاتب وجوه أهل العراق ، بأنه سيولّيهم المناصب ، ويغرق عليهم الأموال الطائلة ، إن هم خذلوا مصعب بن الزبير في الحرب ، ولمّا التقا الجيشان ، هرب أصحاب مصعب إلى جانب جيش عبد الملك ولم يبق مع مصعب سوى نفر قلّة ، فأخذ يقاتل مقاتلة الأبطال ، يضرب بالسيف تارة ، ويطعن بالرمح تارة أخرى ، وهو يقول : (٢)
وإنّي على المكروه عند حضوره |
|
أكذّب نفسي والجفون له تنضي |
وما ذاك من ذلّ ، ولكن حفيضة |
|
أذبّ بها عند المكارم عن عرضي |
وإنّي لأهل الشرّ بالشرّ مرصد |
|
وإنّيّ لذي سلم أذلّ من الأرض |
وقيل إنّ كافة الّذين كاتبوا عبد الملك من قادة أهل العراق قد أجابوه إلى طلبه ما عدا إبراهيم بن مالك الأشتر ، فإنّه ذهب إلى مصعب ، وأخبره بأن عبد الملك قد كتب إليه كتابا يعده بأمرة العراق إنّ هو ترك مصعبا ، وتخلّى عنه ، وأنه قد كتب كتبا مماثلة إلى فلان وفلان من وجوه أهل العراق ، وهي موجودة لديه ، ثمّ اقترح ابن الأشتر على مصعب ، أن يقتل أولئك الّذين كاتبهم عبد الملك ، فرفض مصعب وقال : (إذا تغضب عشائرهم). (٣)
فقال إبراهيم : (فاسجنهم لحين انتهاء الحرب). فقال مصعب : (إنّي لفي شغل عن ذلك). وعند ما التقى الجيشان ، هرب أشراف العراق ، والتحقوا بعبد الملك ، وهرب عتاب بن ورقاء وخذلوا (مصعب).
وفي ذلك قال عبد الله بن قيس الرقيات : (٤)
__________________
(١) مسكن : اسم مكان على نهر دجيل ، قرب دير الجاثليق ، وفيه قبر مصعب بن الزبير.
(٢) الخطيب البغدادي ـ تاريخ بغداد. ج ١٣ / ١٠٧.
(٣) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج ١٩ / ١٢٤. والذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج ٤ / ١٤٤.
(٤) المصدر السابق. ج ١٩ / ١٢٨. ونفس المصدر التالي.